أنت هنا

قراءة كتاب عين الجوزة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عين الجوزة

عين الجوزة

كتاب " عين الجوزة " ، تأليف د. إبراهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

عين الجوزة في النصف الأول من القرن العشرين

الجدُّ عبّاس محمود

يقضى محمود يومه في الوعر، وهو يقطّع الصخر الموجود في البريّة، ويقصّب منه حجارة يبني فيها حيطاناً للجلالي في قطعة الأرض التي يملكها أحد وجهاء عين الجوزة، ويعود عند المساء إلى بيته المكوّن من غرفة مربّعة بضلع أربعة أمتار، وسقفٍ من التبن المجبول مع التراب الممدد على حيطان من الحجارة الغشيمة بارتفاع أربعة أمتار للحائط، وما كاد يصل إلى داره حتى سمع صوت بكاء ابنه الوحيد الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره .

يسرع محمود بالدخول إلى منزله فيجد ابنه يجلس بالقرب من أمه، وهو يناديها:

ـ أمي... أمي.. أمي...

وأمّه ممدّدة على الأرض من دون حراك.

يدهش محمود من هذا المنظر ويحملق بابنة خالته زين الدّار الشمّوطي التي تزوج بها، وأنجب منها خمس بنات، وثلاثة صبيان، ولكن لم يعش له سوى ولد واحد. وتيمّناً باسم أبيه أطلق على ولده اسم عباس.. وهو لايصدّق عينيه، ويعود إلى تأمّل المنظر فيتأكّد منه؛ ها هي ممددة على الأرض، وبقربها طفلها عبّاس الذي كان يصرخ لها، وهي وسط الغرفة من دون حراك.وبعد ذهول دام دقائق رمى نفسه بالقرب منها، وأخذ ينادي:

ـ يا أم عباس... يا أم عباس....

ولمّا لم يجد جواباً، رفعها من وسط الغرفة ومدّدها فوق فرشة في الزاوية، وراح يهزّها وهو ينادي:

ـ يا أم عبّاس..يا أم عبّاس...

دخلت جارتهم على الصراخ، وعندما شاهدتها على هذه الحال، ووجهها شاحب مصفرٌّ قالت لعباس:

ـ إذهب إلى الدّاية سليمة...

ردّ عبّاس :

ـ وشو بقلّها؟

ـ قلّها أمي وقعت وما عم ترد علينا.

أسرع عبّاس، ومن ثمّ عاد راكضاً وبرفقته سليمة التي راحت تفحص أم عباس، في حين كان محمود وابنه ينتظران خارج الغرفة. وبعد فترة خرجت وهي تقول:

ـ يا محمود، الله يرحمها زين الدّار، فصلت روحها من أكثر من ساعتين... الله يرحمها..

خرجت الجارة بعد سليمة وهي تردّد:

ـ يا محمود، البقاء لله... توفيت زين الدّار.. والآن بدنا نقوم بواجبها.

ـ إنّا لله وإنا إليه راجعون... لقد توفيت زين الدّار زوجة محمود عبّاس.

وكان يكرر هذا النداء وهو يدور على الجهات الأربع للمأذنة..

وبدأت وفود النساء تتقاطر إلى المنزل، وفي الصباح تم التشييع، وعاد محمود يصحب معه ابنه إلى بيتهما.

عاش عبّاس مع والده محمود الذي كان فقير الحال، وقليل الحيلة؛ ولفقره الشديد لم يجد امرأة تقبل به زوجاً لها، وهكذا عاش عبّاس مع والده من دون وجود امرأة تهتم بشؤونهما.

كان عبّاس يصحب والده إلى العمل، ويتشارك معه في قلع الصخور، وتقطيع الحجارة، وتعمير حيطان الكروم والحواكير.. وعلى الرّغم من هذا العمل الشّاق، وما كانا يقومان به من جهد، إلا أن أجرهما كان عبارة عن صحن «بَلِيلَه»، وإذا أكرمهما أحدٌ من النّاس، فحينها يكون الغداء صحن مجدّرة مع بصلة ورغيفين من الخبز.

شبّ عباس وهو يشاهد بأم عينيه استغلال ملّاكي الأرض لأبيه، فهم يعيشون متخمين وهو على شظف العيش، وضيق ذات اليد، وكانت الحياة تزادد قساوة كلما مرّت عليه السنون، فلم تمضِ بضع سنين على وفاة والدته، حتى فجعته أيّامه مرّة جديدة بوفاة والده، الذي تركه وحيداً في مواجهة الدنيا قبل أن يبلغ العشرين من عمره ببضع سنوات؛ وهكذا قضى أيّام الشباب وحيداًً في الغرفة المتداعية التي تركها له أبوه، حيث كانت الأمطار تتساقط عليه من سقفها في الشتاء، كما كانت الينابيع تتفجر في أرضها، فاستلم مكان والده في العمل، فطوّره، وأصبح يشتغل في قطاف الزيتون، والتين، والعنب، والرمان، وكذلك في نقل مواد البناء إلى الأماكن النائية التي لايدخلها الجرّار، ولاحتى الحمار، فكان ينقل على ظهره الحجارة، وأعمدة الخشب، وحتى جسور السقوف.... إلخ إضافة إلى استمراره في مهنة والده في استصلاح الأراضي، فكان يقلع الصخور، ويقطعها إلى أحجار متساوية ملساء يستخدمها في بناء حيطان الكروم والجلالي...

أصبح عباس يمتلك قوّة لا يضاهيه فيها أحد، وصار قبضاي الضيعة، وامتدّت شهرته إلى المنطقة كلّها. وبعد أن بلغ مبلغ الرجال تخصص في حفر الآبار حتى أصبح أشهر من يجيد هذه الصنعة في الضيعة والقرى المجاورة.

الصفحات