كتاب " محطة أخيرة خارج المكان " ، تأليف ساطع نور الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب محطة أخيرة خارج المكان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
محطة أخيرة خارج المكان
تحديد النسل الصيني
بيجين..
تحمر وجوه وتسود وجوه عندما يفتح النقاش حول سياسة تحديد النسل الصيني، التي ترتكز على إتقان المواطن لوسائل منع الحمل كافة، وبين نجاح الدولة في الحد من الكثافة السكانية التي بلغت رسميا مليارا و320 مليون نسمة.. وتقيم تلك العلاقة المعقدة بين المواطن والسلطة التي تتسلل الى غرف النوم.
هذه السياسة المطبقة منذ نحو ثلاثين عاما نجحت الى حد بعيد في ضبط ارتفاع معدل النمو السكاني عند ذلك الرقم الرسمي الذي حطمته الهند قبل سنوات، وحال دون انضمام نحو أربعمئة مليون صيني الى رقم سبعة مليارات الذي يقترب منه بسرعة عدد سكان العالم. لكنها اثارت من جديد معضلة تلك العلاقة بين الدولة ورعاياها، من زاوية مختلفة تماما لم تكن تخطر في بال قيادة الحزب الشيوعي الصيني التي فرضت في نهاية السبعينات على كل أسرة ان تكتفي بطفل واحد، ذكرا كان ام انثى.
بات المواطن الصيني واحدا من اكثر شعوب العالم خبرة في استخدام وسائل منع الحمل على اختلافها، وهو يعتبر بعضها من ابتكاراته، وصار يتعامل مع ذلك الفرض الرسمي برحابة شديدة: لم يعد الجيل الجديد يفكر بالانجاب، ولعله لم يعد يهتم بالزواج اصلا، في ظل ارتفاع معدلات المعيشة وتغير انماطها بشكل جذري. ولم تعد السلطة تخفي اعترافها بأنه كان قرارا ظالما للطبيعة البشرية لكنه كان إلزاميا ولم يكن له بديل عندما أطل المليار الاول على الصين بينما كانت تقف على حافة المجاعة.
لا يعود النقاش بسهولة الى تلك الحقبة، نهاية السبعينات، برغم الهمس الذي يدور في بعض الغرف المغلقة حول استعداد الدولة والحزب للتسامح مع فكرة الطفل الواحد لكل اسرة اذا كان كل من والديه طفلين وحيدين لعائلتيهما.. مع ان احدا لا يطالب ولا يلح من اجل تعديل تلك السياسة التي انتجت مع غيرها من سياسات الانفتاح الاقتصادي واحدا من اهم انجازات القرن الحادي والعشرين، ومع ان الحياة الجنسية هي الآن على ما يرام، بعدما بلغت في الماضي حد احساس الشريكين بأنهما يسرقان متعة محرمة او انهما ينفذان تعاقدا مع السلطة.
شنغهاي، هي نموذج حي على ان الصين بلغت ذروة الانفتاح الاجتماعي، فالمدينة التي كانت حتى الثورة الاشتراكية قبل ستين عاما تخضع لسلطة اكثر من 14 دولة كبرى كانت تستأجر احياءها وتقيم فيها مناطق نفوذ وقواعد عسكرية ومؤسسات اقتصادية مغلقة على نصف مليون جائع انجبتهم شنهادي وحدها. تطلق العنان لشبانها وشاباتها لكي يعبروا عن ثقتهم بأنفسهم وعن اندماجهم في الثقافة الغربية ربما اكثر من اي شعب آخر، وعن تحررهم من جميع القيود الاجتماعية التي طالما كانت جوهر ثقافة الصين وتاريخها.
المدينة بشوارعها وفنادقها المفتوحة على مختلف انواع المهرجانات والعروض والازياء، تشهد على ان الصين تقف عند منعطف يمس ذلك التعاقد بين الرجل والمرأة، وبين المواطن والدولة.. والذي لا يدوم بالجنس وحده.
(25/05/2009)