قراءة كتاب مواقف وآفاق في قضايا الثقافة واليسار والثورة (1985 - 2013)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مواقف وآفاق في قضايا الثقافة واليسار والثورة (1985 - 2013)

مواقف وآفاق في قضايا الثقافة واليسار والثورة (1985 - 2013)

كتاب " مواقف وآفاق في قضايا الثقافة واليسار والثورة (1985 - 2013) " ، تأليف رجا سعد الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

الخط الثالث: خط المعارضة الوطنية الديمقراطية اللبنانية

هل يكون الرد التاريخي لأزمة الحكم والمعارضة في لبنان؟

أمر مُلح جداً، نقاش مسألة على درجة كبيرة من الاستعصاء على الحل، بالطرق والأدوات غير المناسبة التي تستعملها بعض المعارضة من جهة، والحكم بأدائه القاصر عن الإحاطة بالمشكلة، والتطرق إلى جوهرها، وإمساك الحلقات الأساسية التي يتشكل منها جوهر المسألة من جهة أخرى. فينعكس موقف الفريقين استمراراً وتعميقاً للأزمة الوطنية اللبنانية بمستوياتها كافة، وصولاً إلى تحقيق غايات دنيا، أقل ما يقال فيها إنها ليست الغايات والأهداف التي تؤدي إلى وحدة الوطن والإبقاء على الكيان...

وإذا كنَّا في نقاش سابق لهذه المقالة((4)) قد تطرقنا إلى أزمة الحكم والمعارضة في لبنان، وفي تعاطيهما مع المسألة الوطنية بمستوياتها وفروعها كافة، فإننا ومن المنطلق نفسه أي منطلق الحرص على المساهمة في تبيان ما هو ضروري، لتشكيل خط الخلاص الوطني، ذي المضمون الديمقراطي الحقيقي، الذي يساهم بفعله السياسي في تفعيل الحياة السياسية اللبنانية من أجل تصويب الوضع السياسي، وبما يؤمّن وحدة البلد واستقلاله، وبما يفسح في المجال أمام الجماهير الشعبية من أن تأخذ دورها الطبيعي في عملية البناء الاجتماعي والسياسي، بغض النظر عن اتجاهاتها السياسية وانتماءاتها الفكرية وحتى الطائفية، لأنه في تحقيق هذا الحق الديمقراطي لغالبية المواطنين يمكن أن تتصوب العملية السياسية كعملية تستهدف في حدّ ذاتها تحقيق الديمقراطية، وصيانتها، وخلق الظروف الملائمة لإمكانية تطورها، وحتى لا نذهب بعيداً عن موضوع المسألة المطروحة للنقاش، نرى من الواجب الإشارة ودائماً من منطلق الذين ينظرون ويتعاطون مع المسألة من موقع الالتزام الوطني بالقضايا المصيرية، ومن باب العمل اليومي الدؤوب في إطار النضال من أجل تعميق مسيرة السلم الأهلي التي بدأت باتفاق الطائف، وفي إطار النضال أيضاً، من أجل استكمال المسيرة في سبيل تحقيق القضية الوطنية بما هي قضية تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي أولاً، وبما هي دفاع عن استقلال لبنان وسيادته الوطنية ثانياً، وبما هي انتماء للوطن اللبناني – العربي ثالثاً. وفي إطار النضال أيضاً من أجل تحقيق الديمقراطية اللبنانية بمكوناتها المختلفة أي: تحقيق الحريات العامة التي تقوم على احترام حقوق الإنسان... وتحقيق الديمقراطية في النظام السياسي، بما هي بالملموس إلغاء للطائفية السياسية التي تعتبر الشرط الأساسي لتثبيت الديمقراطية وتطورها وإقامة المجتمع المدني الذي يرتكز بقيامه ودوامه وتطوره على تحقيق قضايا التقدم والعدالة الاجتماعية.

إذن، نرى في ضوء هذه المعطيات وبموضوعية مسؤولة، أن هذه المهام تشكل في حدّ ذاتها وبتفاعلها، وفي مسار تحققها، نسيجاً وطنياً متكاملاً، يمكن للحكم إذا ما اعتمدها وأمن شروط تحقيقها من خلال مصالحة وطنية حقيقية، أن تؤدي إلى النهوض بالوفاق الوطني إلى مستوى أفضل. وفي رأيي هذا هو الجانب الأهم لأنه سيساهم بتحديد الجانب الثاني أي نهج المعارضة، والذي سيتحدد إلى حد كبير به. أمَّا القول بأولوية مسؤولية الحكم في هذا الموضوع فله تفسيره التاريخي خصوصاً وأن لبنان يخرج لتوه من أحداث حرب أهلية مديدة، يُفترض أن يكون للحكم فيه الدور الأول في بناء الحياة السياسية والاجتماعية وتشكيلها، وفي إقامة المؤسسات والسهر عليها انسجاماً مع ما اتفق عليه في اتفاقات (رسمية - دستورية) من جهة، وارتباطاً بما تحتاجه مسيرة الوفاق الوطني من توافق من جهة أخرى.هذا تفسير أول لأولويات دور الحكم في عملية البناء الوطني. والذي يعتبر الوفاق إحدى أهم حلقاته الأساسية؛ أما التفسير الثاني فهو التفسير الذي يرتكز على المبدأ المنطقي الذي يعطي الحكم بكامل مؤسساته الدور القيادي في عملية البناء الوطني، كونه يستند إلى السلطة السياسية كأحد أهم العناصر المكوِّنة للقوة المادية التي تتطلبها هكذا عملية.

في ضوء هذا الوعي لدور الحكم في عملية البناء الوطني، وفي ضوء واقع الأزمة العميقة التي يتعرض لها لبنان في مختلف المجالات، وعلى المستويات كافة، في ظل قيادة أهل الحكم، وبغض النظر عن بعض الإنجازات التي تحققت في مجال الأمن والسياسة الخارجية، وبغض النظر عن العوائق الموضوعية التي تعرقل مسيرة السلم الأهلي بجانبيه السياسي والاجتماعي، يستنتج المرء أن وضع الحكم بأهله ومؤسساته مأزوم للغاية. أما معظم المعارضة بمختلف تياراتها وفصائلها وأحزابها فهي في وضع لا تحسد عليه من حيث برامجها السياسية غير الواقعية إلى حد كبير إن وجدت، وبسبب التناقض بين مكوناتها على مستوى الفكر والممارسة والانتماء. إن واقع المعارضة هذا يطبعها أيضاً بطابع الأزمة. في المرة الماضية وفي إطار نقاش أزمة الحكم والمعارضة في لبنان طرحنا السؤال التالي: ما العمل؟؟

في هذه المرة نحاول أن نجيب – وبتواضع - لنساهم في حلِّ هذا الاستعصاء القائم. ومع قولنا بأن الخط الثالث، خط المعارضة الوطنية الديمقراطية الحقيقية يمكن أن يشكل الرد التاريخي لأزمة الحكم والمعارضة في لبنان. في هذا السياق نود أن نشير إلى أمرين ضروريين:

الأمر الأول: إن الرد التاريخي السياسي المعارض لقوى اجتماعية وسياسية جذرية في مواجهة الأزمة القائمة، سيتحول بالضرورة إلى بديل نوعي للمعارضة الحالية، وسيكتسب في عملية تحوله صفة المعارضة الشرعية من خلال تعبيره البنَّاء عن مصالح الناس والوطن.

الأمر الثاني: ستساهم هذه المعارضة الإيجابية والبنَّاءة في تصويب مسار الحكم، وستشكل مناخاً للتحول الديمقراطي في مجتمع هو بأمس الحاجة إليه.

من هنا يتحدّد دور الخط الثالث، كمعارضة وطنية حقيقية في وضع استثنائي كالوضع في لبنان. وتتحمل بالتالي قوى التغيير الحقيقية دورها الفاعل والريادي في قلب هكذا عملية.لكن هل هذه العملية نقية وصافية إلى هذا الحد من التصور؟؟ اعتقد أن الأمر أعقد بكثير مما نفكِّر، وأن المصاعب تزداد، والعوائق تبرز كلما بدأنا نميل باتجاه الممارسة التي على أساسها يتشكل هذا الخط إلى حد كبير...

الصفحات