قراءة كتاب أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

كتاب " أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير " ، تأليف نجيب البعيني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

المقدمة

مذكرات سفير

ما إن أنهى خليل تقي الدين دراسته الثانوية حتى التحق بالوظيفة الرسميّة، كاتباً في مجلس الشيوخ اللبناني، وكان ذلك في العام 1926. وبعد سنة من هذا التاريخ أدمج مجلس الشيوخ بمجلس النواب ورقّي خليل تقي الدين ليصبح بمرتبة السكرتير العام للبرلمان، تحت إشراف سماحة الشيخ محمد الجسر رئيس المجلس حتى 1932.

ورغم ميوله القويّة إلى ممارسة المهنة الحرّة والمحاماة كعمّه أمين تقيّ الدين ألحّ عليه والده بأن يبقى في وظيفته ويتابع دراسة الحقوق في جامعة القديس يوسف اليسوعية. وكان ختام حياة الشيخ خليل في الوظيفة الرسمية، الفترة التي قضاها في السلك الدبلوماسي، على نحو ما جاء في مذكراته كسفير، إذ يقول: ففي عام 1946 «أصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بتعييني وزيراً مفوضاً في موسكو، وكنت أشغل وظيفة المدير العام لمجلس النواب.. ـ فقد ـ .. قذفتني بلادي إلى أقصى المعمورة كما يقذف اللاعب الكرة بقدمه لتقترب من الهدف، أو هكذا خيّل إليّ». أما الدول التي استقبلته كسفير للبنان، فقد ذكرها بحسب التسلسل الزمني، وهي: الاتحاد السو؟ياتي، وفنلندا وأسوج ونروج، والمكسيك (مكسيكو)، وغواتيمالا، والسالفادور، والقاهرة، وليبيا ـ قبل عهد الجماهيرية ـ والسودان وتركيا (انقره) وبريطانيا (لندن).. «حتى بلغ سن التقاعد عام 1970 فعاد إلى لبنان، وقد اشتدّ حنينه إليه، فلا غاب وجهه عن خاطره ولا ذكره عن لسانه..

هكذا أمضى خليل تقي الدين نحواً من خمسة وعشرين عاماً في السلك الدبلوماسي (1)، وقد عدد في مستهل مذكراته كسفير مبعوثي لبنان الأولين الذين سبقوه إلى عالم الدبلوماسية، وهم «يوسف سالم إلى القاهرة، كميل شمعون إلى لندن، أحمد الداعوق إلى الجزائر... وبعدها في باريس، شارل مالك إلى واشنطن، يوسف السودا إلى ريو دي جانيرو... ثم يقول: وها أنذا أنضم إلى هذه القافلة المختارة، فيملأني ذلك زهواً وافتخاراً ورهبة» (2).

كان خليل تقي الدين قبل أن يكون دبلوماسياً وسياسياً، كاتباً وأديباً، وكان أدبه مزيجاً فريداً من القاصّ والصحفيّ، وكان الوصف والسرد العنصرين الفاعلين في أدبه. وإذا أنت رافقته في مذكراته كسفير طالعتك هذه الملامح من كل هاتيك الشخصيّات وداخلك في الآن نفسه، عناق أخّاذ من الواقعيّة والرومنسيّة وكم تدهشك وأنت تجاريه في مسيرته الدبلوماسية، تلك الألوان المتداخلة من هاتيك المذاقات. فخليل تقي الدين مشدود دائماً إلى موهبته الأدبية الخلّاقة ونزوعه إلى النقد والتحليل الفنّي والسيكولوجي، مشوباً بسخريّة في إطار من الرمزية على غرار أسلوب ابن المقفع في كليلة ودمنة كما تلاحظ في وصفه عالم الوظيفة في لبنان إذ يقول: «الوظيفة في لبنان غاب ملتفّ يعيش فيه الأسد والنّمر والحمل والثعلب والأفعى والنّملة والجندب، وتعيش فيه الحرباء، والويل لمن كان فيه حملاً وديعاً، والهناء لمن كان فيه ثعلباً أو حرباء (3)....

أو يقول: «ودنيا الموظفين كدنيا الغاب، الحملان فيها طبق شهي على مائدة الذئاب. وأقسم أني لا أمد يدي يوماً إلى مثل هذا الطبق، ولو اشتهته نفسي. ولكنني مع ذلك لم أكن طعاماً لواحد من ثعالب الغاب أو ذئابه أو أسوده» (4).

والعناصر الأخرى في مذكّرات السفير تقي الدين، نجدها في ثنايا حلقات هذا الجزء من آثاره البالغة إحدى وعشرين حلقة، والتي نشرت في «الصيّاد»، والراصد بين 10 شباط 1967 و14 آذار 1968.

ومن طرائف ما جاء فيها قصة سفره إلى موسكو لافتتاح السفارة اللبنانية هناك، في الحلقات الثلاث الأولى بتاريخ 3 شباط (5) و10 شباط (6) و17 شباط (7) تحت عنوانين هما: «موعد ولقاء» و «قل لموسكو: لبنان يرفض الأحلاف».

ففي نحو من ثلاثين صفحة وصف خليل تقي الدين مراحل رحلته من لبنان إلى موسكو على متن طائرة داكوتا بمحركين. وكان رفيقه في هذه الرحلة، محمود بدوي الشيتي مستشار السفارة المصرية في موسكو، ولم يكن هذا اللقاء على موعد، بل كان محض المصادفة. وقد قدّم المستشار نفسه قائلاً: «أقدّم نفسي إليك اكسللانس أنا محمود بدوي الشيتي مستشار السفارة المصرية في موسكو. وأنا مسافر معك للالتحاق بوظيفتي هناك ويسعدني أن نترافق».. وكان يحمل في يده حقيبة جلديّة منتفخة (8) فرحّبت به ولاطفته وأعربت له عن سروري بلقاء رجل يتكلّم لغتي فضلاً عن كونه دبلوماسيّاً مثلي...

وبأسلوبه الطريف، وصف السفير بدء الرحلة فقال: «ولما أوصد علينا باب الطائرة، وربطنا أحزمتنا شهقت «لعبة الأطفال» وعطست وزفرت زفيراً مزعجاً متقطّعاً ومحرّكاها يدوران دورة أو دورتين ثم يقفان كأنها حصان حرون في شدقه لجام من حديد، إلى أن هوّن اللَّه، بعد فترة طويلة تقطّعت معها أنفاسنا، ودار المحرّكان في ضجيج يصمّ الآذان..

الصفحات