قراءة كتاب أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

كتاب " أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير " ، تأليف نجيب البعيني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

وللإلمام إلماماً أدقّ بمذكّرات خليل تقي الدين نضيء على سفرته لدى الرئيس جمال عبد الناصر (10)، ونكتفي بما ذكره هو من الأحداث ثلاثة شوامخ: صفقة الأسلحة الروسية التي اشتراها عبد الناصر من تشيكوسلوفاكيا وروسيا، وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، وقد وقعت هذه الأحداث في سنتي 1955، و1956 وتكاد تحتل سفارة خليل تقي الدين لدى الرئيس عبد الناصر جلّ حلقات مذكراته كسفير، فهي تمتدّ من الحلقة الرابعة بتاريخ 2 تشرين الثاني 1967 إلى الحلقة التاسعة عشرة تاريخ 29 شباط 1968 (11).

من أهم ما تطرق إليه خليل تقي الدين في الحلقات المذكورة، التي تتّصل بسفارته في القاهرة، نلخصه كما يلي:

(1) يدافع خليل تقي الدين تبعاً للتعاليم التي تمثل سياسة لبنان في عهد كل من الرئيس بشاره الخوري والرئيس رياض الصلح ـ عن الموقف الرسمي للجمهورية اللبنانية، وهو أن لبنان يرفض الأحلاف. وكان الاتحاد السو؟ياتي منذ استقلال لبنان حريصاً على أن يبقى لبنان خارج الأحلاف المحورية ومنها حلف بغداد وكان سفير الاتحاد السو؟ياتي آنذاك «سولود» وكان شديد الحرص على هذه السياسة التي كان الكرملين يسعى إليها.

(2) إنّ مبدأ عدم انخراط لبنان في الأحلاف الإقليمية، كان في طليعة سياسة عبد الناصر وقد خدم خليل تقي الدين هذا المبدأ بمنتهى الاندفاع والصراحة.

(3) يتميّز خليل تقيّ الدين في مراحل وظيفته كوزير مفوَّض بتصدّيه للسياسات العوجاء التي لا تخدم مصلحة لبنان، وكان لهذا الغرض دقيقاً في دراسة الشخصيّات التي يواجهها أثناء أدائه مهامّه. وكان نهجه الدبلوماسي يحتّم عليه أن يعمل بكل قوة للحفاظ على العلاقات الودّية بين لبنان والدول العربية والغربيّة.

(4) وقد اكتسب خليل تقيّ الدين بباعث من إخلاصه في عمله، المكانة البارزة كوزير مفوّض طوال نحو عشرين عاماً في بعثاته إلى الخارج.

(5) ومن أهم صفاته كوزير مفوّض الدقّة في أداء الواجب، والرصانة، وتقدير الظروف، ودراسة المواقف، والخطوات الجريئة والسليمة في آن، ولا ننكر أنّه كان يتمتّع بالذكاء السياسي إن لم نقل بالدهاء الديبلوماسي، ومما قاله معبّراً عن إدراكه لمسؤوليات الوظيفة الدبلوماسية وخطورتها ما جاء في الحلقة الرابعة أثناء سفارته لدى الرئيس عبد الناصر، قال: «وكلما كانت الحوادث التي يتصدّى الكاتب لسردها عظيمة، أو كان الرجل الذي ينقل حديثه ذا شأن وخطر، وكان واجب الأمانة في النقل والسرد أكبر، فما قولك لسنتين من عمري من تموز 1955 إلى حزيران 1957 أمضيتها في القاهرة سفيراً للبنان لدى الرئيس عبد الناصر في فترة ملأتها الأقدار وسيرة التاريخ أحداثاً جساماً هزّت دنيا العرب، بل الدنيا كلّها» (12)، ثمّ يعدّد من هذه الأحداث، ما أشرنا إليه سابقاً: «صفقة الأسلحة الروسية، وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر..».

(6) وكان خليل تقي الدين يتمتّع بحسّ الدبلوماسي المرهف، ورجل السياسة الذي يعي أبعاد الأمور وتأثير الأحداث ويدرك نتائجها، ويزن بدقّة عظمة الشخصيّة، بعظمة الأدوار التي تقوم بها. إسمعه يقول وهو يرسم جانباً من شخصيّة الرئيس عبد الناصر (13) «ربّ حدث إذا فجّره الإنسان استحال عليه أن يتحكّم به أو بنتائجه بعد انطلاقه من عقاله، كالذرّة إذا حطمت تفجرت طاقة هائلة.. في سلسلة من التفاعل المستمر لها أول وليس لها آخر.. لقد حطّم الرئيس جمال عبد الناصر الذرّة مرتين خلال سنتين، المرة الأولى في شهر أيلول 1955، حين عقد صفقة الأسلحة الروسية، والمرة الثانية في تموز 1956 حين أمّم القناة...

بقدر ما برع خليل تقي الدين في وزن الأحداث وخطورة المواقف التي يواجهها أثناء قيامه بواجباته كوزير مفوّض كالذي لمسناه في إدراكه أبعاد سياسة جمال عبد الناصر إزاء صفقة الأسلحة الروسية، وتأميم قناة السويس،... كذلك كان يقدِّر مسيرة الأحداث في لبنان والسياسيين الذين يديرون دفة الحكم. وهو أمر يعكس علينا لا خليل تقي الدين الأديب والقاص والكاتب بل خليل تقي الدين رجل القانون والحقوق. ولذا رأيناه ينجح في عمله الديبلوماسي لأنه كان يتصرف بواقعية وبنزعة موضوعية تحسب للأمور حسابها، فقد عاصر كباراً في السياسة اللبنانية من أمثال الرؤساء بشاره الخوري وكميل شمعون ورياض الصلح والوزراء المفوضين أمثال السفراء الذين سبقوه إلى أنحاء المعمورة لتمثيل بلادهم.. فما عرفنا أنه كان منشغلاً بخصومات سياسيّة، بل كان حسن الأحدوثة كبيراً في معاركه الديبلوماسية التي تشهد له بالذكاء والحكمة وحصافة الرأي. ونحن نتلمّس هذه الصفات في جوانب مذكّراته كسفير بارع في رسم المواقف والتخطيط لها. كل هذا شاهد على واقعيّة ونضج عناصر الحكمة في سيرته.

رغم هذا الإسهاب في الكلام على مذكرات خليل تقي الدين نقرّ بأن الذي سردناه يكاد يمثّل جزءاً ضئيلاً من كتاب مذكراته الحافلة بالطرافة والتي لا تخلو من المفاجآت وتكشف عن غنى ملحوظ في شخصيّة وزيرنا المفوّض، والأعباء الجسام التي نهض بها والمهام الكثيرة التي أدّاها بكثير من الأناة والحرص وكثير من اليقظة مقرونة بالرّهبة أحياناً لعدم الإخلال بموازين القوى المتصارعة فلا عقوبة ولا استهتار ولا ارتجال لهذا كلّه يبقى القول بأنه لا غنى عن مصاحبة السفير في مذكراته للإحاطة وتلمّس الحقائق من صميم الحدث وروايته. ولا مبالغة في هذه الوقائع، لأن التحليل مهما بلغ من البراعة والدقة، لا يرقى إلى مستوى الحقيقة. فكيف نكتفي من المذكرات الواقعة في نحو مئة صفحة من القطع الكبير، بمثل العرض الذي وضعناه بين يدي القارىء. فضلاً عمّا نعتبره الاستمتاع بأسلوب صاحب المذكرات وما يبث بين سطوره من ملاحظات خفيّة ذات مقاصد بعيدة الغور. ولذا نعتذر للقارىء عن كل قصور في أدائنا من شأنه أن لا يعوّض عن الذهاب إلى عباب المورد، كأن يقرأ ما استوحاه خليل تقي الدين من أدب القصة خلال وجوده في موسكو قصدنا قصة «تمارا» وروايته كارن وحسن، ولا سيما ما أورده من صفحات ذكرياته عن مشاهدة شمس نصف الليل حين حلّقت بهم الطائرة فوق أصقاع القطب الشمالي، ففي وصفه يثبت خليل تقي الدين صفة الفنان الرسام الذي يخط بقلمه رائع اللوحات مما قد يعجز عنه كثير من أصحاب المواهب.

إنّ مذكّرات خليل تقي الدين، ليس فقط من أهم ما رواه الرجالات الكبار من أحداث مهامّهم في تاريخ حياتهم، بل من أنصع الصفحات وأكثرها صراحة وأبعدها عن المغالاة والمبالغة وهي بحق الصورة المثلى لوزير مفوض من الدرجة المثلى.

د. عمر الطبّاع

الصفحات