قراءة كتاب أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

كتاب " أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير " ، تأليف نجيب البعيني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

واستطاع بهذا العمل أن يثأر لرفيقه فقتل عدة رجال سنغاليين من الذين كانوا حول البركة!

هذه حادثة شهيرة عن بطولة أديب وذكائه في اقتحام المعارك... وهناك بطولات له سبقتها... كان في كل واحدة منها البطل الجسور والمناضل الشجاع في الدفاع عن الوطن وترابه.

كيف تجمّع الشباب والمجاهدون والمناضلون من كل حدب وصوب يحملون أرواحهم على أكفهم في بلدة بشامون؟ تلك البلدة التي أرادوها أن تكون مركز الالتقاء ومركز الثورة ومركز الجهاد الوطني ضد الجيوش الفرنسية التي أرادت في ذلك الوقت كسر شوكة المجاهدين والقضاء على روح الدفاع عن الوطن وانتزاع حب السعادة والعنفوان من نفوس الشعب المناضل الذي أراد الحرية والسيادة والتحرر والاستقلال بعيداً عن جشع الفرنسيين وحب سيطرتهم الكاملة على مختلف الأراضي اللبنانية. من هنا، أخذ الفرنسيون يلاحقون السياسيين الذين أرادوا أن يؤلبوا الجماهير ضد سيطرة الفرنسيين على جميع الأراضي اللبنانية.

أراد الفرنسيون ملاحقة هؤلاء الوطنيين من رجال السياسة بدءاً بالشيخ بشاره الخوري وصبري حماده وحبيب أبي شهلا والأمير مجيد أرسلان. وإزاء هذا الوضع المتأزم في البلاد شكَّل هؤلاء وغيرهم حكومة الثورة من السياسيين الذين ذكرتهم بالإضافة إلى مستشارين هما: الكولونيل فوزي طرابلسي وهو عسكري، وخليل تقي الدين وهو سياسي.

وراحت الثورة الشعبية تكبر وتكبر مع مضي الأيام إلى أن امتدّت على مسافة شاسعة واسعة من أرض الوطن.

كانت الجبهة المقاتلة الثائرة تمتدُّ من بلدة عين عنوب إلى بشامون إلى عيناب إلى عيتات إلى سرحمول إلى المرتفعات والمنخفضات والوديان التي تحيط بهذه القرى، إلى حركات العصيان في هذه القرى والبلدات من «قرى الغرب». وكانت تلك القرى تغلي غلياناً بالمتطوعين وأصحاب الهمم الثائرة على البغي والعدوان والاستبداد والظلم، الذين توافدوا للالتحاق بالثورة من جميع المناطق وهم يعدّون بالمئات، آلوا على أنفسهم أن يكونوا صفاً واحداً وقلوباً متراصة ضد نوايا الفرنسيين الخبيثة.

وهنا، نعطي بعض النماذج عن روح الوطنية والإقدام والثأر عند المواطنين: قاد رجل عجوز أولاده الثلاثة وهو من عائلة الحلبي إلى ساحة القتال، وكان مع اثنين منهم سلاح فقال الأب للثالث:

ـ عليك أن تحمل خنجرك الآن حتى إذا وقع أحد أخويك شهيداً، تتسلّم بندقيته وتؤدي واجبك على أكمل وجه... وإذا كان هناك من حاجة ضرورية إليّ سأعود إلى الساحة...».

كانت بيوت بلدة بشامون ثكنات لجنود الثورة. وكانت منازل عين عنوب وسرحمول مستعدة أتمَّ الاستعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل صون الثورة من الأذى. وكان أهالي تلك المنطقة يودّعون عائلاتهم وصغارهم ويذهبون إلى ميدان الجهاد ضدّ الفرنسيين وتصرفاتهم الشاذة والاعتداء على الأهالي في عقر دارهم ضمن بيوتهم.

كنت قلت في بداية حديثي:

لا يمكن أن تمرّ هذه الذكرى بدون ذكر البطل المقدام أديب البعيني. هذا الشاب الذي كان يندفع اندفاعاً بطولياً في سبيل الذود عن حياض الوطن. شهد بطولته الجميع وقدّروه حق قدره. كان أديب البعيني عريفاً في الدرك اللبناني في عكار، في بلدة حلبا، عندما بلغته أخبار اعتقالات السياسيين وغير السياسيين التي قام بها الفرنسيون في بيروت وغير بيروت.

حمل سلاحه (المترليوز)، بعد أن تمكّن من الحصول عليه من مخفر الدرك الذي ينتمي إليه، وبعض الذخيرة وانطلق تاركاً وظيفته. وأقبل مسرعاً ليكون في قلب الثورة المشتعلة. وكان أول من لبّى النداء بروح وثابة دون تردّد أو خوف.

ويُروى أن أديباً قضى تلك الأيام المعدودة ليل نهار ويده مقبوضة على «المترليوز» يحمله على كتفه. وكان «السلاح الثقيل» الوحيد في تلك المعارك بين المجاهدين من أفراد الحرس الوطني الذين بلغوا نحو الثلاثمئة مقاتل بصرف النظر عن أسلحتهم التي كانت تتنوع من رجل إلى رجل.

وكان الشهيد الوحيد الذي سقط في معركة بشامون والذي سمي الشهيد الأول هو سعيد فخر الدين. سقط إلى جانب أديب البعيني وهو يُقاتل قتال الأبطال الشجعان غير هيّاب ولا وجل. ولا نحسب أنَّ من العدل أن تُذكر أحداث الاستقلال دون أن يوفّى هذان الشهيدان حقهما من التنويه والإشادة إحقاقاً للحق واعترافاً بالجميل.

بعد تلك الأحداث عيّن أديب البعيني رئيساً للحرس الجمهوري في قصر الشيخ بشاره الخوري، فاغتاله غدراً من الوراء، سليم الحران أحد أزلام الرئيس وهو يصعد الدرج الجمهوري، فما إن وصل إلى آخر درجة حتى أطلق عليه الرصاص من بندقيته فأرداه قتيلاً.

ويعود سبب ذلك إلى أن الرئيس بشاره الخوري عاد في ليلة رأس السنة إلى القصر متأخراً دون أن يكون الحرس على علم بذلك، وكان أن تباطأ الحرس في استقبال الرئيس، فنهر أديب سليماً فحصل تلاسن بينهما. وصعد أديب الدرج على مهل، فما كان من سليم الحران إلّا أن أطلق عليه ثلاث رصاصات غدراً. وهذه الحادثة حصلت في ليلة رأس السنة في 31/12/1943.

والمؤسف أن نفوذ الرئيس تدخل فوراً في الأمر دون أن يأخذ العدل مجراه، فلم يسجن الجاني غير بضعة أشهر. وبقي فترة بحماية القصر الجمهوري. وعندما مورس الضغط على الشيخ بشاره رحّله من لبنان إلى الخارج بعيداً عن السلطة والقانون والمحاكمة. وبهذا العمل خرق الرئيس بشاره الخوري القوانين المعمول بها، وحال دون شنقه في ذلك الوقت فقضى على روح العدالة وبث مبدأ ارتكاب الجرائم في أنحاء البلاد والغدر بالأبرياء من أفراد الشعب اللبناني.

الصفحات