قراءة كتاب أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير

كتاب " أسرار ثورة بشامون في مفكرة سفير " ، تأليف نجيب البعيني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

.. ورأيت جاري المستشار الضخم في معركة مع الحقيبة يحاول جاهداً أن يضعها فوق ركبته فيثور كرشه وتتمرّد الحقيبة ويتململ الرجل الجالس على المقعد أمامه، وأخيراً انحنت عليّ المئة والعشرون كيلو من الشحم واللحم حتى كادت تسحقني.

بمثل هذه العفويّة في الوصف تتكشف لنا موهبة خليل تقي الدين في فن القصّ الذي يحتلّ إحدى ذراه بين أدباء لبنان.

وبالنمط نفسه من الإثارة والتشويق وبالعبارات الملائمة، فسّر لنا معنى «الستار الحديدي»، بوصف المشاق التي واجهته ورفيقه في استكمال الرحلة إلى موسكو، إذ كانا يحتاجان بالإضافة إلى التأشيرة إلى «جواز مرور» يثبت الحصانة الدبلوماسية، «وحتى لا تُفتّش.. ـ حقائبهما ـ». وقد اضطرا من أجل ذلك للإقامة ستة أيّام في طهران للحصول على هذا الجواز، قال السفير: «وفي اليوم السادس رنّ جرس التلفون في غرفتي وقيل لي: تفضّل إلى قنصليّة الاتحاد السو؟ياتي في الساعة الرابعة بعد الظهر.. فتفضّلت ولكن لا إلى القنصلية بل إلى الباب.. وكان في انتظاري رجل لم يكلّمني وناولنا الجوازين ومعهما ورقتان حمراوان عرفت أنّهما «جواز المرور»...

ولا نكتفي من أحداث الرحلة إلى موسكو بهذا القدر للكشف عن مقدرة خليل تقي الدين في السرد والتشويق، على غرار، ما هو معروف في فن القصص والحكايات. وهو أسلوب سيرافقه في سائر حلقات مذكّراته. وفي هذا ما فيه أيضاً من الملاحظة السيكولوجيّة والنقد المبطّن، وهو عنصر هامّ من عناصر أدبه.

إنّ حديث خليل تقي الدين عن صرامة الأسلوب السو؟ياتي، يكاد يكون جزءاً بارزاً وهاماً وذا مغزى في مذكّراته كسفير. ولكي نستكمل وصف ما يسمّى بـ «الستار الحديدي» نلقي الضوء على جانب من قصّة رحلته إلى موسكو، فقد حطّت الطائرة... بعد إقلاعها من طهران وتحليقها فوق جبال القفقاس، ومشاهدة الركاب بحر قزوين «البحر الذي يخرج منه أطيب الكافيار» ـ في مطار باكو، وهي «مدينة كبيرة تجري من تحتها الأنهار، ولكنها أنهار نفط لا ماء، وهي عاصمة صناعة النفط في هذا العالم الفسيح الذي اسمه الإتحاد السو؟ياتي». يذكر خليل تقي الدين أن ركاب الطائرة التي وطئت الأرض السو؟ياتية في باكو للمرّة الأولى في حياته، كان عددهم لا يزيد عن خمسة عشر شخصاً، وهم عندما ترجلوا أحاط بهم أكثر من عشرة موظّفين وأبعثهم للخوف رجال البوليس السرّي M.V.D. وكان عددهم أمامنا ـ كما يقول ـ خمسة يميّزهم عن غيرهم شريط أخضر على قبعاتهم. إنّهم رجال بيريا سلطان البوليس السرّي في طول روسيا وعرضها. ويصف السفير بيريا بالرجل الذي يملك جيشاً وأسطولاً جويّاً وآخر بحرياً ولكي يعطينا الصورة الدقيقة عن «الستار الحديدي»، أشار إلى أنّ زمن انتدابه لتمثيل لبنان في الاتحاد السو؟ياتي كان في عهد ستالين، وأن ساعده الأيمن بيريا، وأن بيريا طاغية، وسفّاح قتل بيده مئات من الناس، وأمر هو وسيده بقتل الملايين.

ويستأنف السفير وصف الطائرة التي أحاط رجال بيريا بركابها القلائل ومعهم موظفو الجمارك وبينهم ثلاث فتيات بزيّ البوليس.

والمشهد الأكثر إثارة عن صرامة الأنظمة الروسية، ماثل في قوله: «أنزلت جميع الحقائب من الطائرة ـ أما حقائبنا فوضعت في مكان منعزل ولم يمسها أحد ـ وبدأت عملية التفتيش»، ويردف خليل تقي الدين قائلاً: «وأقسم أنني لم أرَ خلال تنقلي في العالم طوال عشرين سنة تفتيشاً دقيقاً يشمل كلّ شيء وكلّ إنسان، ما عدانا (9)، مثل ما رأيت في باكو، كان الرجل يؤخذ إلى داخل البناء، ويعرّى، وقبل أن تفتّش حقائبه يفتّش جسمه وملابسه. وكانت الشرطيات النساء يتولّين العملية نفسها مع المسافرات... فإذا خرج أحدهم بدأ تفتيش حقائبه، تفتح الحقيبة ويفرغ على الأرض كل ما فيها، فيحملها الموظف بين يديه ويهزّها ويضعها قرب أذنه ثمّ يفحص داخلها ليرى هل فيها جيوب سريّة.

في الجانب الآخر من وصف رحلة الذهاب إلى موسكو يشير إلى أنّ الطائرة اجتازت ستالينغراد التي برزت في الحرب الثانية كإحدى المعارك العظمى التي حوّلت مجرى التاريخ... وبدا تحتنا سهل مترامي الأطراف يصل إلى موسكو ويتخطّاها إلى سيبيريا، وهو يبلغ آلافاً عديدة من الأميال: لا جبل ولا هضبة ولا مرتفع...

... كان المطار بعيداً عن موسكو، والسيارة تقطع المسافة بينهما بساعة، ويصف خليل تقي الدين ما كان يعتريه وقتذاك من الإرهاق وما يشعر به من الحنين وما يداخله من الوحشة إلى بلده وزوجته وأولاده، وقد غمرته «كآبة سوداء واستيقظ على صوت ـ المرافق الروسي ـ سمير نوف، وهو يقول: هذا هو الكرملين. وهذه فوقه نجوم الاتحاد السو؟ياتي الحمراء».

وأخيراً ـ كما قال ـ .. «وصلنا إلى فندق ناسيونال قرب الساحة الحمراء، وصعد بي سمير نوف إلى الدور الرابع يرافقنا موظّف من الفندق. وقال: «هذه هي غرفك يا سعادة الوزير المفوض. وأرقامها 427 و429 و431.. إن هذه الغرف الآن هي مقرّ المفوّضية اللبنانية لدى جمهوريّات الإتحاد السو؟ياتي وهي محل سكنك إلى أن ندبر لكم داراً تليق»، فشكرته، وانصرف.

الصفحات