أنت هنا

قراءة كتاب ولها في الأرض جذور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ولها في الأرض جذور

ولها في الأرض جذور

كتاب " ولها في الأرض جذور " ، تأليف سليمان سليمان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

الفصل الأول

ـ 1 ـ

مع الفجر وقبل شروق الشمس كان يجلس على صرّة ثيابه وهي عبارة عن بطانية عتيقة ممزقة ومرقَّعة بعدة قطع من القماش متعددة الألوان والأشكال بحيث طغت على اللون الأساسي الذي بهت لدرجة أنه صار من الصعب التعرف عليه. والتي يلف داخلها فرشة ولحافاً ومخدة.

هذا كل "عفشه" أو أثاثه الذي حمله معه إلى بيته في عالمه الجديد والمجهول في المدينة.

فالفرشة من بقايا "الشراطيط" أي قطع الثياب العتيقة. لأن أمه باعت كل صوف الفرش واللحف والمخدات التي كانت عندها عندما كان يأتي تجار الصوف الجوَّالون يشترون كل الصوف من الضيعة كما كانوا يشترون الذهب عند نهاية عهد الأتراك وقدوم الفرنسيين. فقد أخبرته جدته بأن تجار الذهب كانوا يأتون إلى الضيعة ويشترون الليرة الذهبية بخمس ليرات عملة ورقية فلا يبيعهم أحد الليرات الذهبية بليرات من الورق ولكنهم يأتون بعد اسبوع ويدفعون أربع ليرات ونصف ليرة ورقية مقابل الليرة الذهبية بحجة أن الليرة الذهبية نزلت قيمتها وأصبحت أرخص. ومع ذلك لا يبيعهم أحد الليرات الذهبية ولكنهم يعودون بعد اسبوع أو أسبوعين ويشترون الليرة الذهبية بخمس ليرات ونصف ليرة فيبيعهم بعض الناس ما عندهم من الليرات الذهبية لأن سعر الذهب تحسن ويمكن أن يصبح أرخص بعد فترة. وفعلاً يأتي التجار بعد فترة ويعرضون سعراً أرخص لليرة الذهبية ليعودوا في المرّة القادمة ويعرضون سعرأ أعلى وهكذا حتى اختفت الليرات الذهبية من عند الناس وحل محلها الليرات الورقية.

وهكذا تعامل تجار الصوف، مرّة يعرضون سعراً مرتفعاً ومرّة سعراً منخفضاً حتى اختفى الصوف كلياً من بيوت الفلاحين. وباعت أمه ما عندها من صوف وجمعت ما عندها من قطع ثياب عتيقة وبطانيات وذهبت بها إلى القرية المجاورة وندفتها على الآلة فأصبحت ناعمة مثل القطن وعملت منها فرشاً ولحفاً.

وهكذا فعل أغلب الفلاحين، لأن الصوف أصبح غالي الثمن ويمكن الاستغناء عنه والشراء بثمنه أشياء أخرى. ومَنْ أبقى، من بعض الناس، فرشَ صوفٍ فللوجاهة والتباهي والضيافة حتى إذا جاءهم ضيف يفرشون له فرشة صوف حتى يبيِّضوا وجههم أمام الضيف.

أما المخدة أي الوسادة فهي من "الرويشة" أي قشرة القمح الذي يسلق ويُعَدُّ للبرغل. فبعد جرش البرغل لتحضير "السميد" الخشن للطبخ والناعم للكبة "والسريسيرة" الأكثر نعومة، فتخلط مع اللبن لتحضير "البليلة". أما طحين "البرغل"، وهو الأنعم، فيخلط مع طحين القمح والذرة الصفراء لتحضير المشاطيح والبقعات بجميع أشكالها وأنواعها. أما قشرة البرغل أي "الرويشة" فتحشى في أكياس قماش ويصنع منها المخدات أي الوسائد، حتى قشرة القمح يستفيد منها الفلاحون.

فالمخدة لم تؤثر عليها موجة غلاء الصوف التي أثرت على الفرشة واللحاف، فهي قبل غلاء الصوف وبعده كانت من الرويشة لأن مخدات الصوف وحتى مخدات القطن لا يستعملها إلا الأغنياء، وهؤلاء غير موجودين في الضيعة.

هذا هو أثاث أغلب البيوت في القرى، الفرشة واللحاف والمخدة إلى جانب الطراحة التي تصنعها القروية بنفسها من قطع القماش البالية. أما "المسند" فيصنع من أوراق "شوشة" عرنوس الذرة الصفراء وهذه صنعة يقوم بها متخصص في صناعة المساند في كل قرية، وهي حرفة تكاد تضاهي حرفة المنجّد الذي يصنع اللحف. ولطالما نقل الفلاحون أثاث منزلهم هذا إلى المدينة، حيث يستأجر أحدهم غرفة يفرشها على نمط بيته القروي: حصيرة وطراريح ومساند وفرش ولحف ومخدات، ونادراً ما كانوا يستعملون الكراسي في بيوتهم، أكان ذلك في الضيعة أم في المدينة. لذلك حمل محمد صرّة فرشه على كتفه، وقصد باكراً، مع الفجر وقبل شروق الشمس، إلى ساحة البركة ينتظر قدوم بوسطة العديسة التي ستقله إلى بيروت.

جلس على صرّة الفرش بعد أن وضعها أرضاً وأسند ظهره إلى الحائط وتكوّر داخل ثيابه من شدّة البرد، بانتظار بوسطة خليل التي تأتي قبل شروق الشمس إلى البلدة، لتجمع المسافرين إلى بيروت. فهي تمّر على عدّة قرى، لأنها البوسطة الوحيدة الموجودة في المنطقة، فعليه انتظارها باكراً، ولكنه أتى باكراً جداً، أتى مع الفجر لشدة شغفه بالذهاب إلى بيروت من جهة ولأنه تعود أن يستيقظ دائماً مع الفجر.

الصفحات