أنت هنا

قراءة كتاب ولها في الأرض جذور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ولها في الأرض جذور

ولها في الأرض جذور

كتاب " ولها في الأرض جذور " ، تأليف سليمان سليمان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

ـ 6 ـ

حادثة سيارة الزعيم كانت نقطة تحوّل رئيسية في حياة محمد. فالحادثة كانت المدخل للأجابة عن التساؤلات الكثيرة التي طرحتها عليه حياته الجديدة في بيروت، مع ما فيها من ذلٍّ وحرمان. والتناقضات التي بدأ يتلمسها ومعرفته لكامل الأداة التي استطاع بواسطتها محورة تساؤلاته، وبالتالي تحديد مجرى فهمه واستيعابه لها.

أثبتت له هذه الحادثة أن المشكلة ليست بالزعماء بل بالناس الذين يصنعون الزعامة. فهم كمثل العرب قبل الإسلام كانوا يصنعون التماثيل والأصنام بأيديهم ليعبدوها ويقدسوها وبالتالي يخافون منها.

جعله هذا يدرك أن الإسلام لم يكن ثورة ضد الأصنام بحّد ذاتها. بل ضد جهل الناس وعاداتهم وقناعاتهم. فلما استطاع الإسلام إدخال الوعي إلى عقول البشر دفعهم وعيهم إلى تحطيم أصنامهم بأيديهم كما بنوها بأيديهم.

وهكذا حال الناس الفقراء مع زعمائهم. إذ لا يمكن محاربة الزعماء مباشرة بل بوعي الناس لضرورة كبح تسلط الزعماء عليهم واستغلالهم وضربهم لمصالحهم. وما دام الناس الفقراء يجهلون مصالحهم فهم أعداء أنفسهم لأن الناس أعداء ما جهلوا.

وأظهرت له هذه الحادثة، وكذلك معرفته لكامل بأنه بحاجة إلى المعرفة وطريقه إليها لن تتم إلا بالقراءة والكتابة. لذلك باشر بتعلُّم القراءة، يساعده كامل ورفاقه.

صحيح أن المدرسة التي حرم من الدخول إليها لأنها لم تكن موجودة في ضيعته، هي السبيل الأسهل لتعلُّم القراءة والكتابة. ولكن المدرسة ليست بالضرورة الطريق الوحيد إلى المعرفة. ولكنَّ تعلُّم القراءة والكتابة هما المدخل إلى المعرفة. وبالتالي هما الطريق إلى الوعي بالنسبة له والتوعية بالنسبة للناس الآخرين. ففي الضيعة لم يكن ليشعر بالفرق بين المتعلم والأمي سوى أن الأول يجيد القراءة والكتابة والآخر يجهلهما. أما من حيث الوعي والمعرفة فلا فارق لدى الفريقين إذ هما شبه معدومين لكليهما معاً.

لقد أدرك محمد بأن هذا الفرق البسيط بين المتعلم والأمِّي في الضيعة، يصبح فرقاً بل بوناً شاسعاً في المدينة بل يزداد هذا الفرق مع التطور وخاصة لدى الفرد الفاعل في المجتمع.

صحيح أن أغلب صحابة النبي محمد (ص) كانوا أمِّيين ولكن العلوم والمعارف في ذلك العصر لم تكن لتحصّل بواسطة الكتب والمطالعة المباشرة لها، بل كانت أي العلوم والمعارف تتأتى نتيجة تفاعل حضاري بين المجتمعات فيما بينها، وضمن المجتمع بحد ذاته، وحياتهم لم تكن متشعبة ومعقدة مثلها اليوم. لذلك فهو كثيراً ما سمع عن أبي أيوب في الضيعة هذا الرجل الأمِّي الذي يحفظ عن ظهر قلب أغلب آيات القرآن الكريم وكثيراً من معلقات الشعراء العرب.

كان أبو أيوب يتباهى بأن أغلب الشعراء العرب وأقدرهم كانوا أمِّيين، مثل عنترة وشاعر آخر اسمه طرفة بن العبد، الذي حمل كتاباً من أحد الولاة إلى آخر ظناً منه بأنه يطلب له مكافأة وإذا بالكتاب يطلب قطع رأسه.

صحيح أنه كان يتعجب لذلك، عندما كانوا في سهراتهم في الضيعة يستمعون إلى سيرة عنترة، ويأتون على ذكر أبي أيوب ويأخذون بمديحه والإشادة بعبقريته. كان يعجب لذلك رغم أنه لم يكن يثير اهتمامه سوى أثناء السهرة وبشكل عابر. ولكنه الآن بدأ يعي ويستوعب كل هذه الأمور. فلو أن أبا أيوب بذاته وبعبقريته جاء إلى بيروت لضاعت عبقريته في ازدحام شوارعها وتناقضات مجتمعها ولضاع هو الآخر كما ضاع محمد وأغلب الجنوبيين في بيروت.

ولكن بقيت عنده قناعة راسخة أخذت تتأكد له كل يوم: أن عليه أن يتعلم القراءة والكتابة. على الأقل القراءة ليستطيع قراءة عناوين هذه الجرائد التي يراها كل يوم معروضة أمام باعة الصحف في ساحة البرج وبيد الباعة، ولا يرى فيها سوى صفحات بيضاء فيها صور مع خطوط مبهمة "أشبه بدعس الدجاج في الوحل" لا يعرف من هذه الجرائد سوى ما يقوله الباعة من عناوينها، وهم ينادون عن الأمور المهمة التي تتحدث عنها لترويج بضاعتهم. ولم يكن يهمه موضوع الجرائد لولا أن كامل كان يحمل معه بعضها إلى سهراتهم ويستشهد به أثناء حديثه. فاستنتج ان سرّ وعي كامل للأمور وتفسيرها بسهولة يكمن في معرفته قراءة هذه الصحف، لذلك تمنى أن يستطيع هو أيضاً أن يقرأها ليتسنى له فهمها، مثل فهم كامل لها.

الصفحات