كتاب " طبيب في الجيش " ، تأليف د. ياسر سبسبي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب طبيب في الجيش
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
طبيب في الجيش
- ثماني مئة ليرة.. ماذا تكفي؟
- أوامر عسكرية، قالها قاطعاً الحوار العقيم ومتوقّعاً العبارة التي كتمها الدكتور رامي في جوفه وهي أنّ الخدمة العسكرية حرق لسنتين من أول عمر الطبيب. لكنه قرر في النهاية أن يهرب من المناوبة رغم تحذير قلبه المرتجف، لأنه قد يعاقب بالحرمان من الخروج مدة شهر إذا ما اكتشف الموضوع، ومضى في قراره لأنه تذكّر أن عليه الالتزام بالمستشفى من أجل تسديد باقي أقساط القرض الذي اقترضه يوم اضطر أن يدفع مبلغ المئة ألف للمسؤول الذي توسّط له من أجل متابعة الاختصاص، ومبلغ الخمسين ألف الذي دفعه للضابط الذي توسّط له من أجل الفرز العسكري.
تناول على عجل، طعام الغداء وحيداً في المطعم المتواضع على طريق المستشفى، لم يفكر في طعم اللقيمات التي يمضغها، كان يفكّر كيف يمضغ ذلك الوقت القاسي كالحجر، وكيف يرتّب أيام عمره المبعثرة كحبات الرمل في شفة الريح، وكيف يفرد بساط الأمل المطوي في أجفانه!
عندما وصل رأى هيفاء بجديلتها المتمايلة وهي تتبختر في مدخل المستشفى الصغير المكوّن من غرفة طوارئ وغرف نوم قليلة للمرضى، واضعة كفيها خلف ظهرها ورافعة نظرها للأعلى وكأنما تنتظر فارس أحلامها يهبط بحصانه من السقف! وما إن رأته حتى أشرق وجهها وابتسمت له وهو يقول:
ـ مرحباً يا حلوين.
فأشارت إليه بشفتيها الدقيقتين الملونتين أن يخفض صوته خوفاً أن يسمعه أبو علي!
مدّ يده مصافحاً وضغط على كفها فانتقلت إلى يده حرارة الخجل الأنثوي الجريء الذي بدا على خديها.
ـ أهلاً.. تأخرت.
- تناولت طعامي في السوق، والآن سأشرب شاياً لذيذاً من أناملك التي يقطر منها السكّر وتنبعث منها نكهة الهال والقرفة التي تعدل المزاج.
قال في نفسه بشيء من الحسرة والحرمان وهو مستلق في السرير: آه ما أطيب العشق، إنه يساوي الحياة، والعشاق وحدهم هم الذين يعبّرون عنها على نحو جميل. ماذا سيحدث للحياة في هذه المدينة ولهؤلاء العشاق فيما لو احتجز الأتراك كما يُتوقع بسدودهم نهر الفرات الكبير الذي يمرّ هناك في طرف البلدة، حيث يتبادل العشاق الغرام تحت الأشجار على ضفتيه؟
لا بد أنّهم سيفجّرون أنهاراً بعشقهم لتبقى الحياة ويبقى العشق.
***