أنت هنا

قراءة كتاب حوارات في التدخل الديني والسياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حوارات في التدخل الديني والسياسي

حوارات في التدخل الديني والسياسي

كتاب " حوارات في التدخل الديني والسياسي " ، تأليف راتب الحوراني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

مفهوم المواطن ومبدأ المساواة

مفهوم المواطن هو واحد من هذه المفاهيم المستحدثة في اللغة والثقافة العربية، والتي ما زالت بحاجة إلى تأصيل وترسيخ في الوعي السياسي العربي.

لغةً: إن مفهوم الوطن في العربية يرتبط بالمكان الذي يقطنه المرء. وطّن نفسه على شيء ما يعني اعتاد عليه وألفه، بما في معنى الألفة من ارتباط عاطفي. ومعنى المواطنة بصيغة المفاعلة يفيد معنى المشاركة في الوطن. المواطنة هي إذن شراكة بين أبناء الوطن الواحد. ولكن الشراكة بين الشركاء تفترض معاملة الشريك للشريك معاملة الند للند، تفترض المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الموقع الذي يشغله هذا المواطن أو ذاك.

في اللغات الأجنبية كلمة مواطن (citoyen, citizen) مشتقة من كلمة لاتينية مرادفة للكلمة اليونانية التي تعني «مدينة» حيث المواطن هو عضو من مجموعة أعضاء المدينة المتمتعين بحق المدينة، أي بحقوقهم المدنية وفقاً لمبادىء الديموقراطية اليونانية الناشئة، المقتصرة على الرجال دون النساء، الأحرار دون العبيد واليونانيين دون الأجانب. لم يكن مفهوم «المواطن»، بما يعنيه من الحقوق المدنية للشخص، وارداً قبل الثورة الديموقراطية. وهو من المفاهيم الأساسية التي جاءت بها الثورة الفرنسية ليحل محل مفهوم «الرعية» (Sujet) بما يعنيه من تبعية «للراعي»، أي للملك. طبيعة العلاقة بين الراعي والرعايا تجرد الرعية من كل الحقوق لتمنحها جميعها للراعي.

ولكن هل يمكن الحديث عن المواطن والمواطنة في أي كيان سياسي اجتماعي مهما كان شكله؟ أو مهما كانت طبيعة العلاقات بين الأفراد في الهرم الاجتماعي أفقياً وعمودياً؟ أم أن مفهوم المواطن يفترض نمطاً معيناً من العلاقات بين الأفراد ومنسجماً مع شكل النظام السياسي السائد في هذا الكيان؟ هل من معنى لمفهوم المواطن والمواطنة في ظل نظام سياسي لا يقرّ في أساسه مبدأ المساواة بين أفراد المجتمع من نساء ورجال بالغي سن الرشد (21 سنة، أو 18 سنة، أو 16 سنة، ولم لا؟ ألم يرد في الحديث: «إذا بلغ فتاكم السادسة عشرة وطلب الزواج فافعلوا»؟ فهذه مسؤولية كتلك!)، ويتمتعون بكامل حقوقهم المدنية والسياسية ويضطلعون بالواجبات نفسها وعلى قدم المساواة؟؟؟

قد تستخدم كلمة مواطن على لسان حاكم عربي ولكن بمضمون بعيد عما تعنيه من مساواة بين أفراد الشعب، بل بمعنى الرعية والتبعية. وكلمة تبعية نفسها تستخدم في بعض البلدان العربية في بطاقة الهوية أو في جواز السفر للدلالة على الانتماء للبلد المعين.

المشكلة ليست مشكلة مفردة أو كلمة، إنما هي مشكلة مضمون ودلالة. والمضمون المشحون في مفهوم المواطنة في هذا السياق هو مبدأ المساواة بين المواطنين.

هل يوجد حالياً في أنحاء العالم العربي قطر واحد يبني نظامه السياسي على أساس مبدأ المساواة؟ إذا ما وجد هذا النظام وجدنا فيه المواطن المتساوي في الحقوق والواجبات مع أخيه المواطن!

عندما يراقب المرء أوضاع أي بلد عربي يلاحظ أن الوعي السياسي العربي يكاد لا يتجاوز الانتماء الطائفي الديني، أو العقائدية الحزبية التي لا تقل طائفية. وغالباً ما يبقى الانتماء السياسي للإنسان العربي محصوراً ضمن نطاق القبلية والعشائرية. ما زالت العصبية القبلية هي السمة الغالبة على الوعي السياسي العربي. بينما قلّة قليلة من الأفراد هم الذين يتمردون على هذه الحدود الموروثة وكأنها حدود طبيعية، كأنها معطى طبيعي لم تدخل عليه الثقافة بعد، لا من قريب ولا من بعيد. كل هذه المستويات من الوعي السياسي تبقى دون درجة الاعتراف بالآخر كمثيل للذات على الرغم من اختلافه.

حتى هذه القلة القليلة القريبة من درجة الاعتراف بالآخر، عندما تدخل المعترك السياسي يستأثر بها هاجس الجماهيرية، وسرعان ما تجدها تركب الموجة الجماهيرية. وبدلاً من أن ترتقي هذه النخبة بالجماهير إلى مستويات أعلى في سلم الوعي السياسي، نراها تتخلى عن دورها هذا مماشاة للجماهير محاولةً تجـيير الحركة الجماهيرية إلى أغراض فئوية ضيقة إن لم تكن شخصية بحتة.

أمّا العصبية القبلية فهي غير كافية لبناء كيان إنساني سياسي اجتماعي جدير بإنتاج حضارة، وكما يلاحظ المؤرخون أن الحد الأدنى لتشكيل وحدة سياسية اجتماعية جديرة بإنتاج حضارة ما، يتمثل في اتحاد عدد من القبائل الحليفة.

ومن دون الدخول في تفاصيل مفهوم الأمّة بالمعنى المعاصر لكلمة nation والنظريات القومية المختلفة، يمكننا القول إن الغالبية العظمى للكيانات السياسية، التي أثبتت قدرتها على العيش والإبداع الحضاري، قامت أو/و ما زالت قائمة على أساس الإحساس بالانتماء إلى كيان، أو إلى جماعة واحدة تجمعها قواسم مشتركة أبرزها وأهمها اللغة المشتركة. هذا الكيان معروف تحت اسم Etat-Nation ، لنقل «الدولة القومية». ولكن فليكن واضحاً، قبل كل شيء، أن الانتماء القومي إلى قومية معينة شيء، والانتماء إلى عقيدة قومية شيء آخر. والدولة القومية هذه قد تكون عقائدية دينية أو عقائدية دنيوية (قومية أو غير قومية)، أو قد تكون حيادية عقائدياً. هذه الأخيرة هي ضالتنا المنشودة. المستوى القومي المقصود هنا هو المستوى السوسيولوجي وليس الإيديولوجي، مستوى يقع ما بين المستوى القبلي من جهة والمستوى الإقليمي (متعدد القوميات) من جهة أخرى! يبدو، كما يلاحظ المؤرخون، أنّ المستوى القومي هو الحد الأدنى لقيام دولة قادرة على العيش. دولة قومية أو متعددة القوميات، حيادية عقائدياً، هذا هو مطلب الساعة، مطلب العصر المنسجم مع مفهوم الإنسان المواطن.

أن تكون الدولة حيادية عقائدياً، يعني أن تكون الدولة بمؤسساتها وإداراتها دولة جميع المواطنين جماهيرياً هو موضوع جدير بأن يؤخذ بعين الاعتبار؟ إنّ حياد الدولة عقائدياً لهو الضمانة الوحيدة لحرية المعتقد، الديني وغير الديني.

أمّا المجتمعات التي وصلت إلى درجة الاعتراف بالآخر على الصعيد الداخلي للمجتمع نفسه، فقد ظلت كدول في سياساتها الخارجية تعارض «تصدير» الديموقراطية أو العلمانية إلى المستعمرات والأقاليم الخاضعة لنفوذها كما تعارض تطبيق ديموقراطية على مستوى المجتمع الدولي، حفاظاً على مصالحها الاقتصادية والستراتيجية. في العلاقات الدولية، مازال قانون الأقوى هو السائد. ما زال المجتمع الدولي المتمثل بمنظمة الأمم المتحدة بعيداً عن تشكيل نظام ديموقراطي عالمي. وإذا اعتبرنا منظمة الأمم المتحدة بمثابة حكومة عالمية، فهي ما زالت بعيدة عن التمثيل الديموقراطي للشعوب. ولا بد من برلمان عالمي يمثل الشعوب على غرار البرلمان الأوروبي. ولتحقيق المزيد من العدالة أو الحد الأدنى من العدالة في العلاقات الدولية، لا بد من تغيير ميزان القوى العالمي السائد حالياً حيث يهيمن طرف واحد على الساحة الدولية. لن يحصل هذا التغييير إلّا من خلال بروز تكتلات إقليمية قوية قادرة على فرض احترام القوانين والقرارات الدولية على كل الأطراف بما فيها القوى العظمى نفسها.

فعندما تأتي اليوم إحدى هذه الدول العظمى بجيوشها إلى بلد من البلدان وتعلن أنها تحمل الديموقراطية في صناديق الدبابات كما تحمل صناديق الاقتراع على فوهات المدافع، هل نصدق؟؟؟ يا لها من مفارقة! هل هي مفارقة فعلاً؟ أم إنها صفقة استغباء؟

وطالما أن العالم العربي يعاني من التجزئة والتشرذم والاقتتال الداخلي، سيبقى ساحة مستباحة لكل أشكال التدخل والتحكم بمصائره. فالتكتل الإقليمي، حتى لا أقول القومي، هو أيضاً مطلب الساعة، مطلب العصر. ولكن على أي أسس سيتم هذا التوحيد؟ وهنا أيضاً لا يمكن أن تقوم قائمة لأي توحيد أو تكتل إلّا انطلاقاً من المفهوم المركزي، مفهوم الإنسان المواطن، بما يتضمن من مبدأ المساواة بين المواطنين والاعتراف بالآخر كمثيل للذات. وهذا يعني نبذ مفاهيم مثل الأقلية العرقية أو الدينية أو الطائفية. أما صفة القومية أو العربية أو الإسلامية فيجب أن تؤخذ ببعدها السوسيولوجي والتاريخي، وليس الإيديولوجي أو السياسي. فلا فضل لعربي على غير عربي أو لمسلم على غير مسلم، إلّا بالكفاءة والجدارة للوظيفة العامة، وبحكم صندوق الاقتراع للتمثيل السياسي، في مباراة أو منافسة مجهول فيها الأصل أو الانتماء العرقي أو الديني أو الطائفي. وغني عن البيان أن مبدأ المساواة يتضمن المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة.

الصفحات