أنت هنا

قراءة كتاب حوارات في التدخل الديني والسياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حوارات في التدخل الديني والسياسي

حوارات في التدخل الديني والسياسي

كتاب " حوارات في التدخل الديني والسياسي " ، تأليف راتب الحوراني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

أظن أننا نتفق على تشخيص الداء: التخلّف بأشكاله المختلفة، في كل الميادين، وبصورة خاصة في الوعي السياسي نظرية وتطبيقاً. ولكن التخلف بالنسبة لمن؟ أمر مفروغ منه!

ويبدو لي أننا متفقون أيضاً على تسجيل فشل الدكتاتوريات العقائدية أو الإيديولوجية من دينية وغير دينية وفي كل الأحوال سياسية. وقد نتفق على أن لا عقيدة أمام العقل، أي لا عقيدة (بمعنى الدوغما) في العلم ولا في الفكر العلمي بما في ذلك الفلسفة كبحث عقلي محض. أرجو أن يكون التزامنا جميعاً بالبحث العقلي الأقرب الى الواقعية.

ومن الواضح أننا نريد «الخروج من عنق الزجاجة، وبطريقة أكثر وعياً» على حد تعبير الزميل المحاور (ن)، بل وأكثر من ذلك أقول: لا مخرج من مشكلات التخلف إلّا بالوعي!

ولكن هل يقتصر الوعي على جوانب معينة من وجودنا دون جوانب أخرى؟ أم أنه يشمل كل أوجه حياتنا الاجتماعية، بما تعنيه من تنظيم الأسرة إلى تنظيم الدولة مروراً بالحلقات الوسيطة على اختلافها؟

إذا انطلقنا من هذه المسلمات لوصلنا إلى القول بضرورة إنتاج الوعي والمزيد من الوعي وفي كل الميادين. الوعي هو العلم والمعرفة العلمية، نظرية وتطبيقاً بما في ذلك التطبيقات التكنولوجية.

فهل نتفق على أننا متخلفون حتى في قراءتنا لماضينا بصفحاته المشرقة والمظلمة على السواء، لتاريخنا ولنصوصنا المؤسِّسة؟

وهل نتفق على أن الفكر الديني الاتكالي السائد في حياتنا الثقافية على امتداد قرون من الزمن، هو المسؤول عن الجمود الذهني على كل المستويات؟

لقد لاحظ علماء الاجتماع، وتحديداً ماكس ؟يبير في كتابه «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية»، بدقة أن الأخلاق البروتستانتية شجعت روح المبادرة الرأسمالية في مجالات التجارة والصناعة والاكتشافات العلمية والجغرافية، في حين أن الأخلاق الكاثوليكية كانت تكبح جماح التجارة والصناعة والاكتشافات العلمية وكانت محاكم التفتيش تتهم العلماء بالهرطقة والإلحاد.

وجدير بالذكر أن الإصلاح البروتستانتي قد تأثر بالإسلام. نذكر بعض المسائل: إلغاء الرهبنة، وإلغاء نذر الفقر. مارتين لوثر نفسه كان راهباً كاثوليكياً، وعندما بدأ دعوته الإصلاحية تزوج من راهبة وألغى نذر الفقر بالنسبة لرجال الدين الإصلاحيين. منع الأيقونات في الكنائس. ترجمة الكتاب المقدس إلى لغة الشعب، لوثر فقد ترجمه لوثر إلى الألمانية، في حين كانت الكنيسة الكاثوليكية تمنع ترجمة الكتاب إلى اللغات الشعبية «خشية تدنيسه»، وتعتبر اللغات المقدسة هي فقط: العبرية، اليونانية واللاتينية.

صحيح أن الإسلام قد طرح نفسه كإصلاح بالنسبة لليهودية والمسيحية المنتشرتين في بيئته حيث لم يكن قد مر على ظهور المسيحية أكثر من ستة قرون وربع القرن. ولكن نحن الآن في الربع الثاني من القرن الخامس عشر الهجري. ولعل الوقت قد حان لاستيفاء ما استلفته البروتستانتية من الإسلام. بل وبمعنى أوسع من حق العرب التاريخي أن يستوفوا ما استلفه منهم الغرب عموماً في بداية نهضته من فلسفة ورياضيات وفلك وبصريات وطب وغير ذلك.

ثم لماذا هذا الخوف من الإلحاد أو من العلمنة ونحن نجهل ماهية الإلحاد مثلما نجهل ماهية العلمنة؟ وزيادة على ذلك ندعي القبول بحرية المعتقد، بحرية الرأي والتعبير عن الرأي، ونقول أيضاً بحرية التدين بهذا الدين أو ذاك، أو عدم التدين؟؟؟

فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر! وما أنت عليه بوكيل!

وهل الإلحاد هو الكفر بالنعم أو بالقيم الإنسانية النبيلة؟ وهل العلمنة هي التعصب لطائفة جديدة تعادي كل الطوائف الأخرى؟ وهل الديموقراطية هي دكتاتورية جديدة لاأكثر؟ بل يمكن القول والتأكيد:

لولا الإلحاد لما تطور علم من علوم الطبيعة أو من العلوم الإنسانية! ولبقيت هذه العلوم جميعها في لوح محفوظ لا أكثر ولا أقل.

ولولا العلمنة لما انتهت الحروب الدينية بعد!

ولولا مبدأ المساواة بين بني البشر في الدين والدنيا، أي أمام الله وأمام القانون، لما قامت مجتمعات حديثة، ولما استقامت مفاهيم الحق والعدالة وكل المفاهيم الإنسانية عموماً.

هنا تكمن أهمية الثورة الكوبرنيكية وعظمتها، في تأكيدها على أن النقطة المركزية في النظام الشمسي هي الشمس نفسها. والنقطة المركزية في أي نظام إنساني هي الإنسان نفسه. الإنسان هو الغاية والوسيلة في آن معاً. ا

الصفحات