أنت هنا

قراءة كتاب حوارات في التدخل الديني والسياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حوارات في التدخل الديني والسياسي

حوارات في التدخل الديني والسياسي

كتاب " حوارات في التدخل الديني والسياسي " ، تأليف راتب الحوراني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

الإيمان بالإنسان والإيمان بالأديان!

في تعريف الكفر والإيمان! الكفرغير الإلحاد، والإيمان غير التديّن

أظن أن مفهوم الكفر هو مفهوم أخلاقي قبل أن يستأثر به الخطاب الديني. طبعاً إنّ هذا الأمر ينطبق على اللغة عموماً. فلا بد من إعادة الاعتبار للغة بالاستقلال عن الخطاب الديني، وإذا أمكن إحياء المعنى الأصلي للكلمة وبصورة أخص تحميلها المعنى الذي نريد توصيله إلى أكبر عدد ممكن من الناطقين بهذه اللغة وخصوصاً الذين يكتبون (الكاتبين!؟) بها.

فالكفر، قبل أن يعني عدم الإيمان بهذا الدين أو ذاك، فإنه يعني نكران الجميل أو الإساءة لمن أحسن إلينا. والكفر بقيم معينة يعني عدم احترام هذه القيم التي قد تكون مقدسة بالنسبة لشخص آخر، لذلك نرى ونسمع الطوائف المختلفة تتراشق بتهمة الكفر. وكل فرقة تعتبر نفسها أنها تملك الحقيقة المطلقة والآخرون في نظرها في ضلال مبين. وغالباً ما يصل الأمر إلى الاقتتال بين أتباع الدين الواحد وباسم الإله الواحد ومن أجل الإله الواحد. عن أي حوار يمكن الحديث بين متدينين اثنين ضمن الدين الواحد والكتاب الواحد، وكل منهما يعتقد أن مذهبه هو عين الصواب والآخر هو الذي يحرّف الحقيقة؟ فالمواقف جاهزة ومعدّة من مئات السنين وتتكرر بالحرارة نفسها وكأن الفتنة الكبرى وقعت بالأمس ولم تنته بعد. وكذلك الأمر بالنسبة للحوار بين متدينين من دينين مختلفين (ما يسمى بحوار الأديان، فهو أقرب إلى حوار الطرشان وسط ابتسامات عريضة ومجاملات منمقة ولياقات مبالغ فيها، كلها مزيفة. يكاد الواحد منهم لا يسمع الآخر، كل يغني على ليلاه، وتبقى العلاقة قائمة على إلغاء الآخر وعدم الاعتراف به اعتراف الند بالند، وإن اتفقوا على نوع من توازن عشائري ـ طائفي ـ عرقي (كما هو الحال في هذه الأيام في العراق وفي لبنان بحثاً عن التوازن «الأمثل»). لذلك، لا يمكن أن يكون أي توازن على هذه الأسس إلّا مهزوزاً، مؤقتاً، وغير ثابت!

ماذا يلاحظ المراقب من الخارج؟ نلاحظ أن كلاً من الأديان الثلاثة في المنطقة يتمثل في مؤسسة أو مؤسسات لها مصالحها مثل أي مؤسسة أخرى. العلاقة بين هذه المؤسسات تناحرية أكثر مما هي بين الأفراد. ذلك أن ممثلي الدين السباق زمنياً لا يمكنهم أن يعترفوا بالدين اللاحق لأن مثل هذا الاعتراف يعني إلغاء مؤسستهم والالتحاق بالمؤسسة الجديدة. هذا ينطبق على اليهودية تجاه المسيحية والمسيحية تجاه الإسلام واليهودية تجاه الإسلام. وبالاتجاه الآخر، الدين اللاحق يستمد شرعيته من الانتماء إلى الدين السابق ويبرر وجوده بضرورة التغيير، أو الإصلاح أو إكمال مكارم الأخلاق، الذي يقترحه. هذه الرغبة في التغيير أو إرادة التغيير هي بمثابة اتهام للدين السابق بأنه ناقص، أو بالأحرى اتهام المؤسسة والقائمين عليها ولا فرق بين الدين والمتدين بهذا الدين بل إن الدين بالنسبة للمراقب من خارجه هو ما يمثله المتدينون بهذا الدين. وهكذا يبدأ العداء ويشتد كلما اشتدت سواعد الدعوة الجديدة، وقد يلتحق أفراد أو مجموعات من أتباع الدين السابق، لسبب أو لآخر، بالدين الجديد، ولكن تبقى المؤسسة بكل مقومات وجودها واستمرارها، وتبني حولها الأسوار والقلاع دفاعاً عن حق طبيعي غريزي، حق البقاء.

وكذلك بالنسبة لمفهوم الإلحاد والملحد. فالملحد يؤمن بالإنسان وبقدرة العقل على معرفة القوانين الطبيعية الإلهية. وقد يؤمن الملحد بإله معين ولكنه لا يؤمن بالإله الذي يصوره هذا الدين أو ذاك.

والإلحاد هو موقف فلسفي لا ينتقل بالوراثة، إنما هو خيار حر يستند إلى اقتناع شخصي لا يمكن فرضه على طفل، بالترهيب والترغيب أو بأية وسيلة أخرى، لمجرد أنه وُلد في عائلة من أب وأم ملحدين. فإذا كان من الصعب فرض خيار المعتقد الفلسفي على الأطفال فهو من المستحيل أن يفرض على الكبار بالغي سن الرشد. وهل يحاول الملحد فرض معتقده على الآخرين؟ كل ما يطلبه الملحدون يتلخص في مطلب واحد، حرية الكلمة.

تصور حجم القمع والتخويف والوعد المعسول والوعيد الشديد الذي يتلقاه الطفل خلال تربيته الدينية في البيت وخصوصاً التربية على كراهية الآخرين (أحياناً أولاد الجيران) لأنهم من طائفة أخرى وفي ضلال وإلى النار وبئس المصير.

وتصور مدى الجهد الذي يحتاجه هذا الشاب أو هذه الشابة في الشغل على النفس ليستعيد إنسانيته، وليصل إلى محبة الآخرين على الرغم من الاختلاف في الطائفة أو غيرها من الاختلافات.

وتجدر الإشارة إلى أن الإلحاد قد ساهم في دفع حركة الإبداع في كل مجالات النشاط الإنساني. بل بفضل الإلحاد ظهرت العلوم العقلية (الطبيعية والإنسانية) وتطبيقاتها، وتطورت انطلاقاً من الإيمان بقدرة العقل البشري على المعرفة.

أما المؤمن المتدين بدين يعِدُه بكل الملذات وبكل السعادة في ما وراء هذه الحياة فلا يشجعه إيمانه على التساؤل والبحث، وفي حالات عديدة يمنعه من البحث باعتبار أن الحقائق والعلوم اللازمة له محفوظة في الكتاب. هذا الأمر لا يقتصر على الإسلام من دون غيره، فالكاثوليكية لم تشجع بل حاربت البحث العلمي والعلماء، بينما البروتستانتية شجعت روح المبادرة والاكتشاف والاختراع وتطبيقاتها الصناعية (انظر بهذا الخصوص ماكس ؟يبر Max Weber ، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، 1947). والتاريخ العربي الإسلامي قد عرف مراحل شجع فيها بعض الخلفاء على البحث والترجمة وبصورة خاصة في عهد المأمون. ولكن لم يدم هذا التشجيع طويلاً، فسرعان ما انقلب الوضع لصالح الحنبلية مع إعادة الاعتبار لابن حنبل ضد المعتزلة الذين كانوا السبب في محنته مع المأمون على أرضية خلاف عقائدي (مسألة خلق القرآن أو قدمه).

ومفهوم الإيمان... والكفر

من حق الملحد أيضاً تكفير الذين لا يؤمنون بالإنسان كقيمة مطلقة ومقدسة، وقد يقتضي الأمر يوماً أن تنظم محاكمات باسم حقوق الإنسان لكل مرتكبي الجرائم ضد الإنسان باسم الدين أو باسم أية «حقيقة مطلقة» أخرى، محاكمة الأشخاص ومحاكمة الشخصيات الأدبية (المعنوية) والنصوص التي تحرض على انتهاك الكرامة الإنسانية.

مفهوم الإيمان يعني التصديق القائم على الثقة بالشخص الذي ينقل إليك خبراً قد تصدقه أو لا تصدقه. فالخبر من شأنه أن يحتمل الاحتمالين. وليس كالمشاهدة الحسية أو كاليقين البرهاني الذي يطمئن إليه العقل (قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)، القلب هو محل العقل في لغة العصر آنذاك: «فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون». أو «على قلوبهم أقفالها» أو «وتعمى القلوب التي في الصدور». يُفهم من ذلك أن الإيمان هو أدنى درجات التصديق، أما اطمئنان القلب فيأتي بعد التجربة الحسية، أو بعد البرهان العقلي أو الحجة الدامغة القاطعة المانعة..

الإيمان الديني هو تصديق الأبناء لما ينقله لهم الآباء نقلاً عن الأجداد وهكذا دواليك وصولاً إلى شاهد عيان. عملية النقل هذه تشبه عملية الاستنساخ عن الأصل ثم عن صورة الأصل ثم عن صورة الصورة... إلخ والحالة هذه لا بد أن تكون النسخة رقم (كذا) بعد أربعة عشر قرناً من الزمن باهتة إذا ما لم تدخل عليها تعديلات يومياً بالاستناد إلى التجربة الإنسانية.

ولو قلنا بالعودة إلى الأصل، فالعودة تلك غير ممكنة لأن الظروف الموضوعية التي وجد فيها الأصل غير متوافرة. والشخصيات الفاعلة، مهما حاولت التماهي مع الأصل، تعرف حق المعرفة أن هذه العودة أمر مستحيل. ولكن هذه هي مقتضيات الدعاية السياسية والتعبئة الجماهيرية بشعارات جذابة طنانة رنانة من دون أي مضمون إيجابي. وهل يكفي الاسم مضموناً؟ أو هل يكفي الشعار «هذا هو الحل» حتى يحضر الحل؟ (كذا).

الصفحات