كتاب " غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي " ، تأليف عبد الجبار عبد الوهاب الجبوري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي
(3)أشداء على الكفار رحماء بينهم
عندما بدت ملامح الموت واضحة على محيا الرسول (ص) ناشد الناس مناشدة جدية، حتى أخذت الكلمات المتعبة تخرج بعسر من فم أيبسته حرارة الحمى قائلا: "أيها الناس من كان عنده شيء فليؤده ولا يقل فضوح إلا إن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة". قال ذلك وهو يعلم أنه لم يؤذ أحداً طوال حياته حتى في تلك الحادثة (عندما كان فيها أحد البدو يسير براحلته لصق راحلة النبي مما أدى إلى اصابة رجل النبي، إثر ذلك انزعج (ص) قليلاً وقال له بغضب: أبتعد عني قليلاً. إلّا أنه بعد أن عاد إلى المدينة استدعى ذلك الأعرابي واعتذر منه كثيراً، وألزم نفسه بتقديم ثمانين رأساً من المعز كفدية على ذلك). وهو الآن لا يتذكر، أنه قد آذى أحداً من الناس أو أنه مطلوب لأحدهم، إلّا أنه يخشى أن يكون قد تصرف خلال حياته المليئة بالأحداث تجاه شخص بطريقة لاإرادية بحيث أزعج الآخرين وهو لا يعلم بذلك.
وطالب الناس بالاقتصاص منه إذا بدر منه أي سلوك من هذا القبيل. انتظر محمد (ص) والناس خجلون، فقام له أعرابي وقال يا رسول الله إن لي عندك ثلاثة دراهم. قال محمد (ص): اعطه يا فضل. فأعطاه الفضل بن العباس.. وجلس الأعرابي. ( ثم قام رجل ووضع عينه بعين النبي وهو مضطرب قائلاً: لقد ضربتني سوطا على بطني يا رسول الله في واقعة.. سكت الناس. أما النبي وبوجه هادئ رفع ثوبه الذي بلله العرق من شدة الحمى وكشف بطنه إلى اعلى صدره وطلب من الرجل أن يقتص منه، فتقدم الرجل نحو النبي والناس يطأطئون رؤوسهم دهشة.. لحظات مؤلمة.. صمت رهيب.. وفجأة يهز فضاء المسجد ضجيج اليم. ورفع الناس رؤوسهم وهجم الرجل على بطن النبي (ص) هجوم المجانين وبدل القصاص قبل بطنه قبلة الوالهين. فهطلت الدموع ووجد الناس انفسهم بعد خجل مرفوعي الرأس أمام النبي.. لقد غابت تلك الخاطرة المخجلة.. فرح الناس وأثبتوا للنبي أنهم يعرفونه جيداً..).
من هذه الدروس والعبر المحمدية لا بد للإنسان أن يقارن بين سلوكه وبين ما استفاد من مدرسة الرسول من رؤية أخلاقية وعقائدية في مجتمع يسوده العدم والإبهام والظلمات، وتسيطر عليه الروح العدائية والانتقامية والثأرية وتسوده الممارسات الضالة منذ وطئت أقدام المحتل أرض بلاد الرافدين وخصوصاً في أذهان وسلوك الأفراد التابعين له.
ومن هنا يمكن القول، تبعاً لذلك السلوك، أن المجتمع الذي نحن فيه سيكون محروماً من الرقي والتحول والتطور، وينخر العقل ويتوقف الفكر والإحساس حتى تتعفن الإنسانية وتموت مظاهرها التسامحية والتصالحية ويبدو الإنسان حيواناً يحمل بيده اليمنى سيفا وبيده الأخرى معولا ليدفن الأرواح والأجساد التي حصدها سيفه القاتل حتى تتحول الدنيا إلى ظلمات غارقة بوحل العجائب والغرائب لرؤية الاحتلال الديمقراطية الانتقامية منذ حاصرت قواته أرض العراق عام 2003 إلى أن فتح عينه فجأة فوجد نفسه أمام الضربات الموجعة العراقية التي أرغمته، مجبراً على إعادة حساباته، عندئذ تتكسر نظريات الاحتلال وتزول الظلمات وتتحطم الحواجز وتبدأ نهضة الشعوب مستلهمة تأريخها من عقارب الزمن المحمدية التي سكتت قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة لتتحرك من جديد في نهضة تسامحية صادقة، ورؤية تصالحية ناهضة ليخجل الناس وتطأطأ رؤوسهم من جديد أمام دروس وعبر تلك الرسالة المحمدية.. ولتكن حياة محمد (ص) الاجتماعية والسياسية والفكرية مدرسة عقائدية، وليكن وجدانها الأخلاقي قائما على قاعدة رسالية الهية نموذجية مفادها لنكن { ب ة ت ث ج }. سورة الفتح / 29، صدق الله العظيم.