أنت هنا

قراءة كتاب غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

كتاب " غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي " ، تأليف عبد الجبار عبد الوهاب الجبوري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

(5)الاعتدال

روي عن الإمام علي (ع) أنه سأل رسول الله (ص) عن سنته فقال: "المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني ،والحب أساسي، والشوق مركبي، وذكر الله أنيسي، والثقة كنزي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضا حسبي، والجهاد خلقي، وقرة عيني في الصلاة". وكثيراً ما كان يردد (ص) مثل هذه المبادئ في نضاله السري والعلني لنشر دعوته ومبادئه في بناء الإنسان والدولة ووحدة العرب خارج الجزيرة وداخلها، مخاطباً الأنصار والمهاجرين وسائر أتباع رسالته قائلاً: "أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد (الاعتدال) في الغنى والفقر، وأن اعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبراً"

من يلاحظ هذه الأقوال الشريفة يستنتج أن محمدا (ص) لم يكن مبعوث أمة إلى نفسها لتعطي نفسها وتحس بوحدتها وكرامتها، وإنما بعثه الله تعالى إلى الناس كافة ليعطي لهم قوانينهم الحياتية العامة والخاصة من سلوكه وشخصيته ومبادئه الشعبية والثورية تماماً كما جاء سيدنا آدم ليعطي الأرض أبناءها من صلبه.. جاء ليعطي الأمة كل ما عنده من عطاء لا يخشى منه فاقة، وليعطي الناس المثل الأعلى لممارسة البناء والنضال والجهاد بقيادة لا يتطرق اليها ضعف ولا يستعبد صاحبها متاع. لقد جسدت المبادئ التي ذكرها النبي (ص) سمات القائد الشعبي الذي لا يعيش حياته بمفرده من أجل المصالح الشخصية والمنافع والإثراء غير المشروع، وإنما يعيش تطلعات الجماهير المظلومة والفئات المسحوقة ليعطي كل ما عنده من عطاء للآخرين مستهدفا قلع جذور الظلم والظالمين، والفساد والمفسدين، ليؤكد مسألة أساسية في كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية أن (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وأن عقيدة (الاعتدال) في الغنى والفقر، والترهيب والترغيب، والردع والسيف، واستعمال الحكمة والموعظة الحسنة، وإبانة الصواب من الخطأ، من أهم معالجات الحركات السياسية في تطبيق التوازن في الحقوق والواجبات في مجتمع تختلف فيه الآراء والأفكار، وتسوده المصالح الشخصية والطبقية والعشائرية، وتتصارع فيه الطوائف المذهبية والعرقية كما يحدث الآن في العراق بعد الاحتلال الاميركي له عام 2003.

إن عقيدة (الاعتدال) و(الوسطية) وجدت لتوفر الحرية للإنسان وتغلبها على مبدأ العنف والتشدد والقتل والسيف، والحرص على ضمان حياة الإنسان وتهيئة فرص الحياة الحرة الكريمة المستقرة له، وأن من أبرز وسائل تحقيقها ممارسة سياسة الاعتدال في حركة الدولة وتطبيقها في كل ميادينها الداخلية والخارجية، ولنا في تجربة الرسول (ص) ورسالته، المثل العظيم الذي مكنه من السيطرة على زمام الأمور داخل الجزيرة العربية وخارجها، حيث أدت إلى هزم أكبر إمبراطوريتين كانتا تتحكمان في مصير العالم إمبراطورية فارس في الشمال وإمبراطورية الروم في الجنوب.

إن فلسفة ادارة الدولة كما أرى، يجب أن تكون (الفلسفة الوسط) (لدولة الوسط) في (الأمة الوسط) التي اختارها الله تعالى في العرب بقوله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)

إن ممارسة سياسة الاعتدال في كل دولة حضارية تستند إلى استيعاب كامل لواقع الناس وظروفهم وطبيعتهم، لأن أساس الاعتدال عامل مهم في تكوين البناء المادي والنفسي والروحي للإنسان لأنه ابن واقعه وظروفه وطبيعته، مثلما هو ابن الحياة والتاريخ.

إن سياسة الاعتدال في إدارة الدولة هي بنت العقل والبصيرة والذكاء والحكمة والموعظة الحسنة.

وإن سياسة العنف والفوضى والتشدد هي بنت التحجر الفكري والتحزب المجرد من المبادئ الإنسانية القائم على العنف والثأر والانتقام. فلماذا لا نقرأ وقائع التأريخ ونستنتج أن نظام الحكم في الدولة العربية الأولى التي بناها الرسول (ص) وقادها في المدينة كانت أكثر أنظمة الدول أصالة في الحكم وادارة البلاد التي تجمع بين الشورى والديمقراطية المركزية(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ).

وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على نجاح القيادة في ممارسة سياسة (الاعتدال) في الشورى والمركزية التي حققت الانسجام والاخوة بين أفراد القيادة من جهة، وبين القيادة والشعب من جهة اخرى، وهذا يؤدي إلى تعميق التآلف بين الناس واحلال السلام مقام الدم والمساواة، ومقام التفاخر ووحدة الكلمة مكان التشتت، والاتفاق مكان الافتراق، والمحبة والرشد مكان الكراهية والعنف.

فمتى فقدت هذه الشروط في إدارة الدولة فقد الإنسان حاضره ومستقبله... وهذا ما لا يريده كل مواطن عربي غيور لنفسه ووطنه وامته. ليكن صمتنا فكراً ونطقنا ذكراً ونظرنا عبراً.. صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الصفحات