كتاب " غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي " ، تأليف عبد الجبار عبد الوهاب الجبوري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي
(7)التعايش الإنساني
روي في كتب السيرة النبوية أن الرسول (ص) أقام في بني سعد حتى الخامسة من عمره، ترضعه (حليمة) من بني سعد بن بكر بنت أبي ذؤيب بن عبد الله بن الحارث، وقد من على ابنتها (الشيماء) أن كانت في حملة أسر مع بني هوازن بعد حصار الطائف، فلما جيء بها إلى الرسول (ص) عرفها وأكرمها وردها إلى أهلها بعد أن بسط لها رداءه وأجلسها عليه رعاية لحقها ولحق أمها. (سيرة ابن هشام 1 / 170 وما بعدها).
وفق هذا المنظور الإنساني الشامل كان الرسول (ص) يتعامل ويعايش الناس في كل المناسبات العامة والخاصة، وفي كل الظروف والبيئات، في حالة الحرب والسلم، داخل مكة وخارجها، قبل الهجرة وبعدها، لأنه يرى أن الناس حين يتوادون ويتراحمون ويتحدون يرفع من بينهم الظلم والعدوان، ولا يستطيع الطغاة المستبدون استعبادهم واستغلالهم للمصالح الشخصية والفئوية والحزبية والقبلية.
إن جوهر التعايش الإنساني يقود الأمة إلى تحقيق الفضيلة ومكارم الأخلاق ونبذ الأنانية والتمسك بالمثل العليا والخلق العالي والتعاون على البر والتقوى والارتباط بقيم السماء ارتباط الحب والرجاء والأمل.
إن التطلع إلى المثل العليا والتعايش الإنساني والتمسك بالسلوك الفردي والاجتماعي الفاضل يحصن الأمة ضد الخوف والتردد والاستعلاء والبغي، ويقودها إلى التوحد بدل الفرقة والفتنة، ويربط أبناء الشعب بعضهم إلى بعض برباط الحب والتعاون والرجاء والمصير المشترك بدل التفكك والتفتت والانزواء.
إن في سلوك الرسول (ص) رسالة إنسانية شاملة في الحب والرحمة إلى الإنسانية والبشرية كافة من دون التفريق بين النوع والجنس واللون والدين بخلاف ما نراه اليوم من استعلاء مذهبي وغرور وظيفي، واحتكار سلطوي، واستغلال في الثراء، وتسلط في السلطة، وتمزق في العلاقة بين القاعدة والقيادة، وخلق طبقة ارستقراطية وظيفية سخرت (القريب) لخدمتها وفائدتها، وهمشت (البعيد) لانتقامها وثأرها، والسبب في ذلك يعود إلى طبيعة الجهل الذي يغرق فيه عدد كبير ممن لا يفقه أسلوب التعامل مع الناس. أقول إن الانتساب إلى الدولة ليس كافياً... وإن الانتساب إلى الطائفة أو المذهب ليس كافياً... وإن الاحتماء بالغير ليس كافياً.. وإنما المهم هو الانتساب إلى الأمة والوطن والشعب والضمير الإنساني الرسائلي الذي جاءت به الرسالة المحمدية للإنسانية كافة.
المهم أن يكون الانتساب إنسانياً يحتضن الجميع، فالانتساب الجيد كالغذاء الجيد، والغذاء الجيد تختلف حصيلته بين البقرة والغزال، وبين الثعبان والنحلة، وقديماً قال السيد المسيح (ع): "إن الناس معادن فمنهم النحاس ومنهم الفضة أو الذهب". كما قال افلاطون: "إن الناس معادن فمنهم النحاس والفضة والذهب". واليوم وبعد مرور سبعة أعوام على الاحتلال الأميركي للعراق، ما أحوجنا في هذا العالم المضطرب الذي قسمت فيه البشرية إلى معسكرات متقاتلة بين المذاهب والعقائد والقوميات أن نسعى إلى وحدة الأمة من أجل القضاء على التفكك والعصبية والفرقة، والتمسك بالنظر إلى الخصم وكأنه صديق، لأن ذلك قمة الانصاف والثورة والانقلاب على الذات، ومن يسلك ذلك فإنما يشهد لنفسه بالفضل وحسن الرأي حين يعطي لذي الحق حقه مهما اشتجر الخلاف.. علينا أن ننصف الناس بالحق كما أنصف الرسول (ص) (الشيماء) بعد حصار الطائف لأنه كان رسالة ورسولاً وأمة ودولة ونظرية وتطبيقاً. ولتكن لنا جميعا أمة ودولة ورسالة أسوة حسنة بالرسول العظيم محمد (ص) قائد ورسول الإنسانية كافة. "أحبوا بعضكم بعضا فالإسلام دين المحبة. والناس عيال الله وعيبته، وليس هناك أحد أغير من الله، ولا تخاطبوني كما يخاطب المسيحيون أنبياءهم... ادعوني فقط: يا عبد الله ورسوله". صدق رسول الله (ص).