كتاب " غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي " ، تأليف عبد الجبار عبد الوهاب الجبوري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي
(6)الترابط العضويبين الوطن والوطنية والمواطنة
إن عملية الترابط العضوي بين الوطن والوطنية والمواطنة، وإعادة الحياة اليها بعد عملية اختزال مقصودة من المسائل الهامة في هذه المرحلة، لأنها حولت الولاء إلى الوطن إلى ولاء لحزب، والوطنية إلى ولاء لعائلة أو قبيلة أو مذهب، والمواطنة إلى تبعية تحمل الحب إلى دولة أخرى يضيع فيها الوطن وتذوب فيها الوطنية وتخترق المواطنة، وبذلك تصبح الدولة دون مركز للانتماء القانوني والسياسي؛ وقد ساهمت في هذه العملية، ومنذ مختلف المراحل، الأنظمة السياسية والتنظيرات الأيديولوجية للنخب والحركات والأحزاب السياسية المختلفة بتأثير الانتماءات العرقية والطائفية والمذهبية. وفي ضوء هذا الواقع المؤلم المخترق لا يمكن أن تقوم دولة وطنية معاصرة ذات هوية تقوم على أساس المواطنة باعتبارها من أهم مستلزمات الوطنية والانتماء للوطن... فهل يبقى الإنسان بلا وطن أو نهوض بالوطنية أو شعور بالمواطنة؟
إن قيام الدولة الوطنية المعاصرة، ونهوض الوطنية الحقة وإحياء المواطنة الأصيلة، كل ذلك يحتاج إلى تفعيل العلاقة الجدلية بين الوطن والوطنية والمواطنة في ضوء ثورة فكرية نهضوية شاملة في البنية التحتية والفوقية للدولة والإنسان من جهة، وفي العديد من المفاهيم والممارسات المتعلقة بالدولة ومنظماتها ومؤسساتها المختلفة بعيدا عن المؤثرات العرقية والطائفية والحزبية التي لا تستقيم مع المفهوم الوطني والقومي والإنساني من جهة أخرى، وإعادة النظر بالرؤى والبرامج السياسية الحالية وفق منظور حضاري وقانوني وتنظيمي جديد لتلافي الفشل والاختراق والتبعية في علاقة الوطن بالوطنية والمواطنة التي همشت طويلاً لضمان قيام دولة وطنية، شريطة عدم الانعزال عن الآخرين، والتقوقع على الذات الضيقة وإهمال التعامل مع الآخرين على حساب أمتنا وبلدنا ودولتنا الوطنية، وهذا يستلزم عدم الفصل بين الوطن والوطنية والمواطنة القائمة على قاعدة أساسها جعل الوطن والإنسان والمصلحة الوطنية قيما عليا لا يمكن المساومة بشأنها أو إهمالها أو تهميشها، وعدم فهم الوطن والوطنية والمواطنة فهما تقليديا أو فهماً سياسياً نخبوياً تذوب فيه الذات الوطنية والمواطنة الصالحة لمصلحة الولاءات الخارجية على حساب الولاءات الوطنية والقومية والإنسانية. فالوطن ليس مجرد دكان يبيع فيه الإنسان الخضروات، وليس مجرد دار يسكنها الإنسان، وليس مجرد أرض زراعية استوطنها وزرعها وأقام دارا عليها، وإنما هو مركز الانتماء القانوني والاحتضان السياسي والثقافي والشعوري والعاطفي الذي أسست على ضوئه الحدود والقوانين والأنظمة والحكومات، وأوجدت الاستحقاقات القانونية التي انبثق عنها الكيان السياسي الذي يسمى (الدولة الوطنية) القائمة على العدل والمساواة والتكافؤ بين المواطنين على اساس عملية التوازن بين الحقوق والواجبات والتعايش السلمي وفق مرتكزات أصلية ومكتسبة تدخل في صياغة الوطن وتميزه عن الأوطان الأخرى وفق خصائص تختلف من حيث التكوين والصيرورة والهوية والانتماء والمصلحة والرابطة التي تربطه مع الأمم الأخرى بحدود وأنظمة واتفاقيات.
هذا المركز القانوني الانتمائي يسمى (الإقليم الجغرافي) للدولة والأمة والشعب الذي يقيم عليه كعائلة أو مجتمع أو قبيلة أو أمة يشعر ابناؤها بالولاء (الوطنية) قيماً ووعياً وشعوراً وانتماءً وحباً تربطه بأرضه وشعبه المواطنة، المصالح والولاء، وله فكر وخصوصية ورمز وهوية. وهنا تبرز العلاقة العضوية بين الوطن والوطنية والمواطنة.
فعندما يكون الوطن مركزاً للانتماء القانوني والسياسي يتحول شعور الفرد فيه إلى وعي وانتماء طوعي وحب تلقائي يشعر فيه أن هناك وطناً يحتضنه ويحن إليه ويعود إليه، وتنشأ له فيه حقوق وتترتب عليه واجبات في البعدين الإنساني والقانوني القائمين على ثنائية العلاقة بين المواطن ووطنه (الوطنية) وما تستوجبه من الحقوق الدستورية والقانونية والإنسانية، كحقوق العيش والمساواة والعدل والأمن والكرامة والحماية والتعبير وواجبات الدفاع والالتزام بالمسؤولية والولاء وحب الوطن (المواطنة). وتتم العلاقة بين الوطن والوطنية من خلال عوامل الاعتراف والدفاع والولاء المتبادل بين المواطنين والوطن ضمن منظومة متوازنة وعادلة بين الحقوق والواجبات تنتج عنها ما يسمى بمبدأ (المواطنة) الذي هو حق ثابت من حقوق المواطن السياسية والاجتماعية بين الدولة ورعاياها في ذلك الوطن، ومبدأ المواطنة حصيلة حتمية كمركز الانتماء القانوني والسياسي للوطن ،ومفهوم يقوم عليه مبدأ المشاركة السياسية في تعميق العضوية الكاملة بين الفرد والدولة لتحدد مقومات وطنية الفرد التي تتجسد في الدفاع عن الوطن لما يمنحه من حقوق وواجبات من أهمها حق التصويت والترشيح وتولي المناصب في الدولة التي تعتبر من أهم مستلزمات الانتماء للدولة كوحدة سياسية متكاملة تتألف من وطن (إقليم جغرافي) وأمة (شعب) ونظام وسلطة (دولة).
ومثل هذه المستلزمات تفرض حقوقا وتستلزم واجبات متكاملة لا تعرف الفصل من هذه العلاقة المسماة بالمواطنة، أن المواطنة المتأتية من الانتساب والانتماء الطبقي للوطن هي حق إنساني لا يمكن مصادرته، فهي ليست هبة من احد ليحق له سحبها أو مصادرتها وفق الأهواء والأمزجة القائمة على أساس القيم العنصرية والمذهبية والحزبية، ومن خلال الترابط بين الوطن والوطنية والمواطنة تنشأ الدولة الوطنية التي تؤسس حدودها الوطنية وأنظمتها الداخلية ودستورها وحكومتها على أسس راسخة تعمل على إيجاد هوية واضحة وانتماء محدد لا مجال لتجاوزه لانتماءات أخرى تبعية بأي شكل من الأشكال.
إن الدعوة لإيجاد مفاهيم ومبادئ وطنية تعمل على تعميق العلاقة بين الوطن والوطنية والمواطنة، يجب أن لا تستغل من قبل البعض بدعوى الانعزال والتشدد على الذات الوطنية، وإنما أراها دعوة لتطوير الوعي الوطني لبناء الذات الوطنية من أجل التكامل والتفاعل مع ذوات الآخرين على المستوى القومي والإنساني والأممي مع رفض التبعية بأي شكل من الأشكال السياسية والثقافية والدينية لهذا البلد او ذاك، وعلى حساب ذاتنا الوطنية والقومية. وخلاصة القول وطن بلا مواطنة ووطنية مثل (السمج بالماي يا هو اليجي يصيده).