كتاب " دليل الحركات الإسلامية المصرية " ، تأليف عبد المنعم منيب ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب دليل الحركات الإسلامية المصرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
دليل الحركات الإسلامية المصرية
التمهـيد
مفهوم الحركة الإسلامية وسبب نشأتها
اختلف الباحثون حول أسباب ظهور الحركة الإسلامية في العصر الحديث، واعتبرها كثيرون ظاهرة جديدة صاحبت انتقال العالم الإسلامي إلى العصر الحديث، وأرجعوها إلى ما اعتبروه حالة اغتراب تعرض لها الكثير من شباب المسلمين بسبب تسارع عجلة التحولات الاجتماعية والثقافية، تلك التحولات التي اقتبست على نطاق واسع من إشعاع الحضارة الغربية المعاصرة بدرجة اعتبرها البعض صداماً مع عقيدة الإسلام التي هي ثقافة الأمة العربية.
كما اعتبر باحثون آخرون أن ظهور الحركة الإسلامية صاحب هزيمة العرب أمام إسرائيل في 5 يونيو 1967م كرد فعل لفشل القومية العربية في مواجهة إسرائيل وكبديل لهذه القومية.
وهناك فريق ثالث من الباحثين رأى أن ظهور الحركة الإسلامية هو رد فعل لسقوط نظام الخلافة الإسلامية والذي تمثل في إلغاء كمال الدين أتاتورك للخلافة العثمانية وإقامة جمهورية علمانية على أنقاضها في تركيا.
ولكننا نرى أن كل هذه التفسيرات غير صحيحة، وذلك لأن الحركة الإسلامية في جوهرها ما هي إلا عمل سياسي واجتماعي إسلامي في الفضاء العام يهدف إلى إحداث تأثيرات إسلامية سياسية واجتماعية وثقافية ودينية في ذلك الفضاء العام عبر عمل عام له صور وأساليب شتى، وما دام هذا هو جوهر الحركة الإسلامية المعاصرة، فلا شك أنها ليست أمراً جديداً بل هو قديم قدم الرسالة الإسلامية المحمدية نفسها.
فمنذ بدأ الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة إلى الإسلام وهو يسعى إلى إحداث تغيرات دينية وثقافية واجتماعية وسياسية في الفضاء العام الذي تحرك فيه وكلل ذلك كله بتأسيس دولة إسلامية وحدت شبه الجزيرة العربية لأول مرة في تاريخها في دولة واحدة وكانت السلطة السياسية والاجتماعية العليا فيها للنبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - نفسه، و سار خلفاؤه الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والحسن بن علي على نفس المنوال، ثم جاء حكم معاوية بن أبي سفيان ليبدأ معه التغيير في هذا النمط الإسلامي في الحكم، وعندئذ فقط بدأ ظهور الحركات الإسلامية التي تسعى إلى التأثير في الواقع السياسي فظهر "الخوارج" في نهايات عصر علي ونشط بعد معاوية "شيعة أهل البيت" وتحركوا ضد خليفته بما في ذلك الحركة الانقلابية المسلحة التي قادها الحسين بن على وانتهت بمقتله، كما ظهرت حركة "الزبيريون" بقيادة عبد الله ابن الزبير والتي انتهت بمقتله، وكل هذه الحركات مجرد مثال لحركات إسلامية متعددة نشأت واستمرت عبر التاريخ الإسلامي الطويل وسعت إلى إحداث تغيير سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو اقتصادي أو كل ذلك معا وبعضها أقام دولاً مثل الخوارج والشيعة والصفاريين وغيرهم وأكثرها فشل في تغيير الوضع السياسي القائم(1). [(1) ولا نقصد بذلك أن الحركة الإسلامية المعاصرة تشبه هذه الحركات عقائدياً وإنما وجه الشبه في أنها واجهت النظام الحاكم وسعت إلى تغيير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بشكل كبير.]
والشاهد من ذلك كله أن الحركات الإسلامية هي إفراز طبيعي لانفصال الدين عن السياسة بدرجة أو أخرى عبر التاريخ الإسلامي والذي بدأ بالتدريج وببطء منذ عهد معاوية ابن أبي سفيان، خاصة في نهاية عهده عندما وَرَّثَ الحكم لابنه يزيد، لقد نشأت الحركات الإسلامية من أجل مكافحة الانحراف عن نظام وأهداف ومقاصد ونمط الحكم الإسلامي الذي أرساه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاؤه الراشدون، سواء وافق البعض في العصر الحالي على هذا النمط من الحكم أم لم يوافق فهذا هو دافع وهدف هذه الحركات التي نشأت منذئذ وحتى الآن.
وبالتالي فالحركة الإسلامية ليست جديدة بل هي ترجع إلى القرن الأول الهجري كما أشرنا.
وحتى في العصر الحديث عندما نشأت جماعات منظمة خارج المؤسسات الدينية التقليدية فإنها انبثقت منها كنتيجة لتكبيل هذه المؤسسات التقليدية من قبل الحكام، فمؤسس أول جماعة إسلامية منظمة في مصر (وهي "الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة") الشيخ محمود خطاب السبكي كان أحد علماء الأزهر الشريف وكان من أشهر تلاميذ الشيخ محمد عليش شيخ المالكية بالأزهر الشريف الذي قيل إن الإنجليز قد قتلوه في المستشفى إثر احتلالهم مصر بسبب مساندته للثورة العرابية ومعارضته للاحتلال الإنجليزي، وكان تأسيس "الجمعية الشرعية" وعملها بدأب ونشاط قد انطلق في نهايات القرن الـ 19 الميلادي لكنها لم تسجل قانونياً إلا بعد ذلك بنحو عشرين عاماً (أي في 1913م) عندما صدر قانون ينظم تأسيس وإدارة الجمعيات.
وهكذا نرى أن ظهور الجماعات الإسلامية في مصر مرتبط بانحسار دور مؤسسة الأزهر- الذي كان يشبه جماعة إسلامية كبيرة - وتزايد سيطرة الحاكم عليه وليس مرتبطاً بسقوط الخلافة الإسلامية ولا بهزيمة يونيو 1967م، نعم يمكن القول بأن سقوط الخلافة أو هزيمة يونيو ألهب كل منهما حماس المزيد من الشباب ودفعهم إلى نشاط متزايد في إطار الحركات الإسلامية المختلفة ولكن لا يمكن القول بأن الحركات الإسلامية لم تنشأ إلا بسبب هذه العوامل لسبب بسيط جداً هو أن ذلك لم يحدث.