كتاب " دليل الحركات الإسلامية المصرية " ، تأليف عبد المنعم منيب ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب دليل الحركات الإسلامية المصرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
دليل الحركات الإسلامية المصرية
الأزهر الشريف
ظل الأزهر الشريف قلعة الإسلام عبر العصور ولقد كان الجامع الأزهر في مصر هو الذي يمثل الدعوة الإسلامية والعمل السياسي الإسلامي المستقل عن الحكام في عصر المماليك والعثمانيين وحتى بداية عصر "محمد علي" و الذي في عهده بدأ تقييد حركة الأزهر وتجريده من نفوذه السياسي على مراحل عدة انتهت إلى ما هو عليه الآن.
ومن هنا بدأ بعض علماء الأزهر في التفكير في التحرك بعيداً عن القيود التي طوقت الجامع الأزهر، ومن ثم ظهرت الحركة الإسلامية بفصائلها المختلفة، ومنذئذ ظل الأزهر يخرج للحركات الإسلامية أو لكثير من الحركات الإسلامية كوادر إسلامية على مستوى عالٍ جداً ومتميز من العلم في العلوم الشرعية، وسوف يظهر في صفحات هذا الكتاب الدور الهام الذي ما يزال يلعبه الأزهر في عدد من كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة.
ورغم أن الحركات الإسلامية المختلفة أخذت في منازعة الأزهر في دوره كمرجعية وحيدة في مجال العلوم الشرعية والفتوى إلا أنها لم تنجح في إلغاء دور الأزهر كمرجعية للمسلمين السنة بشكل كامل، فقد نجحت فقط في هز هذه المكانة وذلك الدور ومشاركته فيها دون أن تزيحه منها إزاحة كاملة.
ولا يرجع نجاح الحركة الإسلامية في تحقيق هذا القدر من الدور والمكانة المرجعية إلى قوة وفاعلية الحركة الإسلامية بقدر ما يرجع ذلك إلى تراجع القوة الذاتية للأزهر نتيجة للحصار الذي فرضته السلطة الحاكمة عليه بدءاً من عصر محمد علي باشا وذريته وانتهاء بالجهود التي قام بها جمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو 1952م.
فالأزهر الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر والعالم الإسلامي كان لجمال عبد الناصر معه نهج يمكن أن نعتبره استمراراً للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت وحتى الآن وهو نهج الاحتواء والسيطرة تحت ستار التطوير والتجديد، وفي هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي ومن بعده خلفاؤه مع الأزهر الشريف وذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس حلمي التي قال فيها محدداً دور الأزهر: "أول شىء أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائداً في الأزهر والشغب بعيداً عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد وشغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شىء.
إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه.
وأطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائماً بعيدين عن الشغب وأن تحثوا إخوانكم العلماء وكذلك الطلبة على ذلك.
ومن يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الصحف والأخذ والرد فيها فيكون بعيداً عن الأزهر" (يقصد أن من يفعل ذلك عليه أن يبتعد عن الانتماء إلى الأزهر)
فالحكام منذ نابليون حتى الآن حرصوا على منع الأزهر من العمل السياسي، كما حرصوا في نفس الوقت على توظيف الإسلام وعلماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك.
ولم يشذ جمال عبد الناصر عن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة على الأزهر وتوظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو1952م.
ونجد عبد الناصر يحدد دور العلماء في "إرشاد المواطنين إلى حقيقة وأهداف الثورة" و"تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية وجميع دول العالم على اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل ما زال جهداً متواضعاً" وقد دعى جمال عبد الناصر في إطار ذلك إلى "عمل لجان في كل بلد إسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية وذلك في إطار مواجهة إسرائيل والاستعمار العالمي الذي يقف خلفها".
ولكن كيف وظف جمال عبد الناصر الأزهر لتحقيق أهدافه هذه؟؟
تضمن المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمسة أشهر من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي كما كانت هناك إجراءات صحبت ذلك كله وأخرى تتابعت في السنوات التالية أدت فيما بعد إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بآخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلاً لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيهاً في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه، ولذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه وبتطبيق هذه القوانين انخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ3% أو 4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض ورغم ذلك امتنعت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق، الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة، هذا فضلاً عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد، وبهذا ضربت ثورة 23 يوليو 1952م الركيزة الاقتصادية لعلماء الأزهر تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة الأمر الذي كان يكفل لهم الاستقلال عن الحكومة ويتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم.