أنت هنا

قراءة كتاب الحرب النفسية - قراءات في إستراتيجيات حزب الله

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحرب النفسية - قراءات في إستراتيجيات حزب الله

الحرب النفسية - قراءات في إستراتيجيات حزب الله

كتاب " الحرب النفسية - قراءات في إستراتيجيات حزب الله " ، تأليف د. يوسف نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 5

أولاً - الدعاية السياسية

تعريفها: الدعاية لغة؛ من الفعل دعا، وتعني «الدعوة إلى مذهب أو رأي بالكتابة أو بالخطابة ونحوهما»(34). والداعية «الذي يدعو إلى دين أو فكرة، والتي تدعو إلى نفسها قد عُرفت بالفساد» (35).

والدعاية اصطلاحاً؛ هي وسيلة غايتها اجتذاب الناس وجلبهم إلى جهة معينة(36)، وجعلهم يطيعون وينقادون لمن يرغب في قيادتهم وسوقهم، فيتقبلون آراءه وأعماله بالإقناع(37)، المنظم منه الذي لا يخلو من ترغيب، والذي يستقيم من غير وسائل عنفية؛ نحو: خداع بالمصلحة. أو ذلك الذي لا يخلو من ترهيب؛ نحو: الإكراه على القبول. ما يعني أنّ الدعاية هي إثارة إعلامية ونفسية معدّة بعناية وحذق، على نحو دقيق ووازن ومسبق، للتأثير في اتجاهات وعقول ومواقف وعواطف المتلقين، كما في وعيهم وآرائهم وتصوراتهم وأفكارهم وسلوكياتهم(38)... متوسّلة في سبيل ذلك تقنية ضخّ وبثّ ونشر المعلومات- سواء أكانت حقائق أو فبركات وأكاذيب وأضاليل(39)– في وجهة محدّدة، وبكيفية مقننة ومنظمة وفاعلة. والحال، تكون الدعاية وفقاً لمعجم المصطلحات السياسية والدولية «هي المحاولة المقصودة والمنظمة لتشكيل الآراء والتلاعب بالإدراكات وتوجيه السلوك للرأي العام من أجل خدمة صاحب الدعاية. إنّها تهدف إلى جعل الأفراد يتبنون سلوكاً مختلفاً عن ذاك الذي كانوا يتبعونه بصورة عفوية، فهي تولد تصرفات ايجابية أو سلبية، لدى الجماعات أو الأشخاص الذين تتوجّه إليهم»(40).

والدعاية في علم الاجتماع السياسي؛ هي تلك التي تشغل «المسارات النفسية–الاجتماعية المستعملة في توصيل الخطاب السياسي، ونقله من المرسِل (الخطيب، الزعيم) إلى المرسَل إليه (المتلقي، الجمهور)»(41).

أمّا في ميدان علم النفس فينظر إلى الدعاية على أنّها محاولة للتأثير في اتجاهات الأفراد وآرائهم، وميولهم، ورغباتهم، ونزوعاتهم، وأنماط سلوكهم، وطرائق تفكيرهم؛ بحيث تأخذ الوجهة التي يرغب إليها رجل الدعاية. وقد يحدث هذا من طريق التلميح والإيحاء والإيماء والإشارة، أكثر مما يحدث من طريق توسّل المباشرة والمنطق في عرض وتقديم الحقائق، أو أنصافها، أو أشباهها.

وعلى اختلاف في المقاربات المتعدّدة لأطروحة الدعاية في الميادين العلمية ذات الصلة؛ حظيت الأخيرة بعناية العلماء والباحثين والمختصين: رأى إليها نعوم تشومسكي «وسيلة للهيمنة» بوصفها مؤثراً أيديولوجياً فاعلاً بصرف الانتباه عن الأسلوب والوسيلة التي تتوخاها للوصول بها إلى مقاصدها. واعتبرها كلاوس ميرتن «فعلاً وعملية اتصالية، رسالتها ومضمونها أشياء رئيسة تسعى في النهاية إلى الهيمنة على المتلقي».

أمّا هارولد لاسويل فقد رأى إليها بدوره نشاطاً اتصالياً تحريضياً واضحاً ومباشراً، باعتبارها لا حقلاً للنص وللإشارات والشفرات؛ بل «وضعاً وفعلاً اتصالياً تطلق فيه الأهداف». وكان عبد القادر حاتم قد وصفها بأنها «فن التأثير والممارسة والسيطرة والإلحاح والتغيير، والترغيب بقبول وجهات النظر أو الآراء أو الأعمال أو السلوك». كما عرّفها أحمد بدر بأنّها « الجهود الواعية التي يقوم بها الداعية لنشر أفكار وآراء أو معتقدات معينة للتأثير في الرأي العام وعلى السلوك الاجتماعي، دون أن تفكر الجماهير في الأسباب التي دفعتها لتبني تلك الآراء ومنطقيتها».

وتطول قائمة المقاربات، وتتنوّع، وتتعدّد، وتتداخل، وتتخارج: فثمّة من قدّم الدعاية السياسية بوصفها «مجمل الوسائل التي تستعملها جماعة سياسية»، لغرض إشراك جمهرة من الأفراد أو الجماعات في نشاطها، وهم أفراد وجماعات- كما يذهب Jacques Ellul- يصار إلى «توحيدهم على الصعيد النفسي بواسطة مناورات نفسانية». وثمّة من أحكم المزاوجة بين شرطها الوسائطي وغايتها المنشودة؛ فكانت الدعاية السياسية هي «اللغة الموجّهة إلى الجماهير» وفقاً لمذهب جامعة برنستون، تتوسّل الكلمات والإشارات والرموز وسائر الوسائط الأخرى، لغرض التأثير على مواقف وسلوكيات وتوجّهات الجماهير حيال قضايا محدّدة تشكل موضوعات الرأي العام، وتشغل حساسياته واهتماماته، وعلى نحو يتأدّى في حصيلة الأمر- كما يضيف Bartelett- إلى تبني هذه الجماهير «لرأي معين وسلوك محدّد». وثمّة من وسّع من دائرة اشتغالها وتوضّعها، لتصبح الدعاية السياسية والحال هذه، عمليات بثّ ونشر وضخّ معلومات– حقائق كانت، أو وقائع، أو مبادئ، أو مجادلات، أو إشاعات، أو أنصاف حقائق، أو أكاذيب مختلقة، أو شيئاً ملفقاً من كل هذا أو من بعضه- وفق وجهة محدّدة، من قبل فرد أو جماعة، في محاولة منظمة لإحداث أثر في الرأي العام، أو تغيير في اتجاهات الأفراد والجماعات(42)، وذلك باستخدام وسائط الإعلام والاتصال بجمهرة المتلقين.

والدعاية هي الأسلوب الذي ينزع إلى نشر فكرة أو عقيدة أو خبر أو قيمة، وإلى ترويج معلومات وآراء منتخبة ومنتقاة بعناية، وبثها وإشاعتها وفق تخطيط هادف وموجّه بقصد التأثير على عقول ومشاعر وأعمال وسلوكات واتجاهات طائفة ومجموعة محدّدة من البشر، لغرض قد يكون اقتصادياً أو عسكرياً أو سياسياً... ما جعلها بحق إحدى أدوات الحرب النفسية الفاعلة، وواحدة من أسلحتها الفتاكة، بل ومصدراً رئيساً من المصادر المؤثرة في ساحة المعركة، وحفّز بالتالي الدول والحكومات والجيوش على العناية والاهتمام بها، وعلى التفنّن في كيفية استخدامها.

والدعاية ـ على النحو الذي ألمعنا ـ هي فن التأثير بخيال الجماهير، وهي محاولة منظمة ووازنة للتأثير على الرأي والمزاج العام عبر استخدام وتفعيل وسائل ووسائط المنظومات الإعلامية المختلفة والمتنوعة. مع لحاظ الاعتبار هنا، أنّ الطرائق والأدوات المكثفة التي تتوسّلها الدعاية لخلق وصياغة واقع ما، وإن كان بمقدورها أن تحقق نجاحاً آنياً وظرفياً قد يعوّض عن التمثل الحقيقي لراهنية الوضع السائد، إلا أنّ ذلك لا يستطيل، ولا يستمرّ إلى أمد بعيد، فسرعان ما تتكشّف الحقائق، وتظهر جلية على نحو بيّن وواضح. لكنّ ذلك لا يعني بإطلاق، أنّ توسّل التضليل والخداع والمراوغة وسوى ذلك من ميكانيزمات حرف الانتباه واستلاب الرأي وممارسة التأثير، قد لا يكون ملحاً وضرورياً ومطلوباً في أحايين كثيرة، وذلك بسبب من اضطرار القائمين على الدعاية إلى إبراز زاوية واحدة من زوايا الصورة، وإلى إظهار مكوّن واحد من مكوّنات المشهد العام(43)، وبالتالي الحرص على إخفاء الجوانب والمكوّنات الأخرى، لا لشيء إلا للتستر على الإخفاقات والهزائم، كما لتمييع وتحوير مظاهر الفشل والتقهقر والسقوط؛ فشدّة الصخب والصراخ والضجيج الإعلامي الممجوج تتأتى بالضرورة على نحو تعويضي، لتخفي وراءها قصوراً وضعفاً في القدرة على الفعل والتأثير(44). وكذلك حين تظهر في الفضاء والأثير الإعلامي حماسة أو اندفاعة لاعقلانية يصار إلى النظر إليها من خلال مرايا محدّبة؛ فتضخم وتفخّم وتدبلج وتتبّل من قبل الوسائط الإعلامية المختلفة، ثم يصار إلى بثها بكيفيات مكرورة وممجوجة ومقزّزة، وبقوالب مملة ورتيبة؛ فإنّ ذلك يعتبر مؤشراً على انطراح تساؤلات حول صدقية ونزاهة المعلومات المبثوثة.

كما تتسم الدعاية بالحيوية والدينامية؛ إذ تسجّل المعاينات والقراءات الفاحصة والحفرية مواكبتها للعصرنة والتطور، ومرافقتها لصيرورة التحوّلات المستجدّة، وبالتالي انتقالها من طرائق وأساليب تقليدية إلى أخرى أكثر حداثة، وأكثر انسجاماً مع خصوصيات العصر والمجتمع والبيئة. يقول الباحث شيلفورد بيدويل في هذا الصدد: «كان جهاز توزيع المعلومات في الحرب العالمية الأولى محدوداً في الصحف. ولكن كانت الصحافة مألوفة وإمكانية القراءة والكتابة واسعة. وكان هذا الأسلوب يبدو كافياً لإثارة وتكثيف الكراهية الدائمة للعدو». أمّا وسائل «التأثير على الرأي العام في الوقت الحاضر» يضيف بيدويل فهي «أكثر إقناعاً، والرأي العام هو أكثر تعقيداً وصعوبة للتنبؤ به، يتلوّن بإيديولوجيات تتعدّى الولاء الوطني. ولكن من الحق أن نذكر أنّ واجب الدعاية في الوقت الحاضر هو إقناع الرأي العام بفكرة أنّ هناك مجموعات من الناس هي خارج حدود الإنسانية، وتستحقّ فعلاً أن تقصف بالمدفعية، أو أن تموت جوعاً، أو تغزى، أو تذبح. هذا التغيّر المتطرّف بدأ في الحرب العالمية الأولى»(45).

الصفحات