كتاب " العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم
المقدّمة
شرعت في التأسيس للعلاقة بين العلم والفلسفة بدءَاً من أطروحتي للدكتوراه حول الثورة العلمية الكبرى في أوروبا وأثرها في الفكر العربي المعاصر، وتوطدت صلتي بها بفعل النقاشات المستمرة مع الفيلسوف والفيزيائي "الأستاذ الدكتور هشام غصيب" على وجه الخصوص، وما إن عرض علي رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية "الأستاذ الدكتور وليد عطاري" تدريس مادتي "أعلام فلسفية" و"العلوم عند العرب"؛ حتى عدت إلى الربط بين العلم والفلسفة من جديد؛ على نحو منهجي أكاديمي أثمر عنه هذا الكتاب.
وقد استدعى ذلك أن أعود إلى "الفلسفة الهيلينية"، وهو مصطلح آثرت استعماله بعد محاضرة ألقيتها بدعوة من جامعة أثينا عام 2006؛ أبدى فيها البعض استياءَهم من مصطلح فلسفة يونانية (Greek Philosophy) ؛ لأنهم يدّعون أن الأتراك قد أطلقوا عليهم ذلك الاسم. وعلى أي حال، كان لابد من التأسيس للفلسفة الحديثة بإعادة بناء الفلسفة الهيلينية، على الأقل في بضع محطات أساسية: أيونيا ديمقريطس وأرسطو، لأن الحديث عن أرسطو ومنظومته الفكرية والفيزيائية، التي سيطرت على الفكر العالمي لمدة ألفي عام، أمر ضروري للكشف عن المسامير التي وضعت في نعش فيزيائه في القرنين السادس عشر والسابع عشر على وجه الخصوص، واحداً إثر آخر؛ بفعل تطور العلوم الحديثة وفلسفتها في الصيغة التي كانت تعرف آنذاك بفلسفة الطبيعة؛ عندما لم يكن الفصل بين العلم والفلسفة واضحاً بيّناً.
ولتحقيق الغاية المنشودة من الخطة المنهجية للبحث؛ كان لابد أن تبدأ الخطة من أيونيا والفلسفة الهيلينية، وأفصِل هنا بين أيونيا والفلسفة الهيلينية عمداً، لأن بعض جذور فلاسفة أيونيا عربية سورية ونكهتها مختلفة تماماً، بينما يصر الغرب أن الفلسفة الإغريقية هي أم الفلسفات الأوروبية فكرياً وعنصرياً.
ثم قفزت إلى عصر الإصلاح الديني في القرن السادس عشر، كي أستطيع إنجاز هذا العمل، ولا أظن أن هذا القفز مقبول منهجياً في الفلسفة، وإن كان ممكناً في العلم، وشرعت بعدها أتحدث عن الاكتشافات العلمية في القرنين المذكورين وارتباطها بنهوض الفلسفة الأوروبية الحديثة وتطورها.
لذلك جاء عنوان الكتاب: "العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة: من كوبرنيق إلى هيوم"، ليدلل على العلاقة المتبادلة بين العلم والفلسفة، وعلى أهمية اكتشاف كوبرنيق "مركزية الشمس" في فتح الطريق أمام نسف فيزياء أرسطو برمتها؛ وصولاً إلى هيوم الذي وصلت معه الفلسفة التجريبية إلى طريق مسدود؛ فشكلت أساساً انطلقت منه الوضعية المنطقية، فيما شكلت حيرة لدى الفيلسوف الألماني "كانط" ودفعته لنقد العقل؛ لمعرفة حدوده وإمكاناته، وفتحت الباب أمام الفلسفة الألمانية المثالية لتحلق في سماء المعرفة الفلسفية؛ ولتحقق إنجازات كونية على صعيد الفكر؛ تعويضاً لحال التخلف الواقعي المعيش - الاقتصادي والسياسي والاجتماعي - الذي كانت تعاني منه ألمانيا آنذاك مقارنة ببريطانيا وهولندا وفرنسا.
وقد تم اختيار شخصيات بارزة في تاريخ الفلسفة الحديثة لتمثيل تيارين أساسيين هما العقلانية والتجريبية أو الإمبريقية، وهذه الشخصيات الفلسفية هي:
فرانسيس بيكون، رينيه ديكارت، ليبنتز، سبينوزا، توماس هوبز، جون لوك، ديفيد هيوم. وهي شخصيات وإن كانت تمثل تياري العقلانية والتجريب في بريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا، فإنها تعبّر عن الفلسفة الأوروبية بمجملها، لسببين، هما:
أولاً: كانت أوروبا متواصلة ومتداخلة ثقافياً في تلك الأزمان، كما سوف نلاحظ من خلال الحديث عن تجوال العلماء والفلاسفة فيها، واتصالهم ببعضهم البعض على نحو وثيق.
ثانياً: لم تنفصل الفلسفة عن العلم في تلك الحقبة من تاريخ العلم والفلسفة، فالحديث عن إنتاج العلماء ليس مستقلاً عن مشروعات الفلاسفة؛ بل متداخل معه في علاقة جدلية حميمة، فهناك علماء قيد الدراسة في هذا الكتاب من بولندا كالراهب كوبرنيق، ومن إيطاليا غاليليو وتورتشيللي وبرونو، ومن الدنمارك تايكو، ومن ألمانيا كبلر، ومن بريطانيا جلبرت ونابيير وهارفي ونيوتن.
سوف يلاحظ القارئ أن هذه الدراسة بمثابة بحث في جدلية العلاقة بين العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة، ولكنها أيضاً رؤية جديدة في بعض أوجهها؛ من حيث الإشارات لأثر بعض العلماء والفلاسفة العرب كالكندي والرازي وابن رشد تحديداً، ومن حيث تسليط الضوء على الدور السلبي الذي وصلت إليه الفلسفة التجريبية الإنجليزية مع ديفيد هيوم؛ بنفي دور العقل وإنكار وجود المادة - موضوع العلم الطبيعي.
صحيح أن الفلسفة والعلم عملا معاً في السابق، ولكن بعض الفلسفات باتت عدواً يتربص بقدرة العلم على الوصول إلى معارف يقينية، وغدت تشكك في آليات العلم ونتائجه، كما تفعل اليوم بعض تيارات فلسفة العلم المعاصرة؛ وهدف الكتاب إلى إزالة بعض هذه الشكوك وإعطائه المقام الذي يستحق.
أخيراً، أترك للقارئ حرية الوصول إلى الاستدلالات الناجمة عن قراءَة هذه الدراسة واحترم حقه في الاختلاف مع هذه النتائج.
المؤلف عمّان في كانون ثاني 2009