قراءة كتاب العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم

العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم

كتاب " العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

ولكن، ما التغير الذي طرأ على مفهوم الحركة في العالم الحديث؟

إن الفرق في مفهوم الحركة بين العالم القديم والعالم الحديث؛ يقوم على أساس أن الحركة في العالم القديم هي التغير من حال إلى حال من جهة مقولات معينة، كالجوهر والكم والكيف والمكان، أما في العصر الحديث، فأن أساس التغير هو حركة الجسيمات.

يكمن المغزى من الاكتشافات في المنهجية الجديدة (المنهجية العلمية) التي اتـّبعها غاليليو، والتي تختلف في مفاصلها الرئيسة عن منهجيات من سلفه.

ب- كروية الأرض وكون أرسطو

ارتكز أرسطو في البداية على الملاحظة والتجربة لإثبات كروية الأرض، إذ اتضح له أن السير باتجاه الشمال أو الجنوب فوق سطح الأرض؛ يؤدي إلى رؤية نجوم جديدة واختفاء أخرى، فتوصل إلى فكرة كروية الأرض، واستدل من ذلك أن السفر غرباً سيوصله إلى الهند على نحو ما ظن رحالة القرون اللاحقة لغاية القرن الخامس عشر. وقام بقياس محيط الأرض على نحو معقول كما فعل البيروني فيما بعد.

وتنسجم تلك الاستدلالات مع تصور أرسطو بأن شكل الأرض دائري، لأنه الشكل الأمثل في بعدين، ولأنه كان يشاهد ظل الأرض الكروي على القمر في حالة الخسوف (خسوف القمر)، كما أن الكرة هي الشكل الأمثل في ثلاثة أبعاد فيستحيل أن يكون الله قد خلق الكون ناقصاً. كذلك هي حركة السماوات أو الأفلاك، إنها حركة دائرية كاملة.

أما الأثير الذي يفصل بين الأفلاك فمتراصّ، وفلك النجوم (الذي يتألف من 55 فلكاً) يستمد حركته من الله بنوع من العشق (حركة غائية)، فالحركة الأولى ناجمة عن المحرك الأول الذي لا يتحرك (الله)، وهو عقل محض، لأنه لو لم يكن كذلك لاستلزم وجود علـّة لحركته. ثم تنتقل الحركة إلى الأفلاك واحد تلو الآخر، لأن الطبقات التي تفصل بين الأفلاك متراصة لا فراغ يفصل بينها، إذ يحرك الأعلى منها ما يوجد أسفله، وهكذا دواليك حتى نصل إلى فلك القمر.

فصل أرسطو بين عالم ما تحت فلك القمر، بوصفه عالم الكون والفساد، وعالم ما فوق فلك القمر بوصفه عالم الأثير الخالد الذي تحكمه أرواح حية وعقول تقوم بتحريك الأفلاك على نحو ما تحرك الروح جسم الإنسان. وكأننا أمام الفكر الفيثاغوري الذي تحدث عن العالم بوصفه حياً وأنه مخلوق يتنفس.

ولم يخرج أرسطو في ذلك عن تلازم الإلهي والخالد عند الإغريق. بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك بالعودة إلى التصور التجريدي لأنكسمندر في القرن السادس قبل الميلاد؛ عندما شبه الأرض بإسطوانة عائمة في وسط الكون.

خلاصة كون أرسطو ما يلي (أنظر الشكل):

1) عالم قديم منذ الأزل وسيظل قائماً إلى الأبد.

2) مركزية الأرض في الكون بفعل مادة التراب الثقيلة.

3) أقرب الأفلاك إلى الأرض هو فلك القمر، يليه على الترتيب: عطارد، الزهرة، الشمس، المريخ، المشتري، زحل، ثم الفلك المحيط، أو فلك النجوم الذي يتألف من عشرات النجوم البعيدة والتي تحيط بالأفلاك جميعها وتحركها؛ أما علة حركتها فمستمدة من عشقها لله غاية وجودها.

4) الكون محدود وليس لا نهائياً طالما أن مركزه الأرض، ومحيطه فلك النجوم أو الفلك المحيط.

5) عالم ما فوق فلك القمر عالم أثيري خالد، ويعتبر أرسطو الأفلاك حية.

6) الحركة في عالم ما فوق القمر دائرية تامة، كذلك هي حركة الأفلاك وشكلها.

7) عالم ما تحت فلك القمر يحكمه الكون والفساد.

8) الحركة في عالم ما تحت فلك القمر مستقيمة ومادته العناصر الأربعة.

وترتيب الكواكب وأسماؤها مطابقة لما يعرفه العالم اليوم باستثناء موقع الشمس والأرض، أما الكواكب الأخرى أورانوس ونبتون وبلوتو فقد تم اكتشافها فيما بعد؛ ولذلك فإن الكواكب السبعة التي كانت معروفة آنذاك قبل كوبرنيق هي: (القمر، عطارد، الزهرة، الشمس، المريخ، المشتري وزحل) شكلت السماوات السبع التي سيطرت على الفكر القروسطي بوصفها سماوات أثيرية خالدة وسامية.

فالشمس في كون أرسطو لا تعدو كونها أحد الكواكب التي تدور حول الأرض، وبذلك يكون أرسطو قد أسقط نظرية أريستارخوس القديمة؛ التي قامت على فكرة مركزية الشمس، وعاد ليربك العالم بنظريته في مركزية الأرض لألفي عام من الزمان بدعم من الفكر الكنسي القروسطي؛ الذي رأى في نظرية أرسطو تأكيداً للفكر اللاهوتي الذي يتمحور حول أهمية الأرض ومركزيتها؛ حيث تعيش أسمى المخلوقات - الإنسان. وقامت الفلسفات المسيحية بتطوير فلسفة أرسطو لتنسجم مع الفكر الديني وتتوافق معه على يد فلاسفة من أمثال توما الأكويني.

أما الفلكي المصري المعروف بطلميوس، الذي عاش في القرن الثاني للميلاد في الإسكندرية، فأقام أنموذجاً مطوراً رياضياً وهندسياً جمع فيه التطورات التي جاءَت على كون أرسطو، وأضاف إليها تعديلات وضعها في كتابه الذي أسماه العرب فيما بعد "المجسطي"، فكانت محاولات ضرورية ناجمة عن عجز أنموذج أرسطو عن تفسير حركات بعض النجوم الارتدادية والتغير في شدة إنارتها وأحجامها.

وقد استخدم بطلميوس نظرية الدوائر المنحرفة لتفسير تناقضات أنموذج أرسطو التي اتضحت بالمشاهدة والرصد الطبيعي لحركة الكواكب، وجعل مركز دوران الكواكب على محيط دوائر الأفلاك التي تقبع مراكزها في مركز الأرض. وظل أنموذج بطلميوس مرجعاً لعلم الفلك لغاية القرن السابع عشر. ولكن سبقتها محاولات لعلم الهيئة العربي من حيث إعتبار المكان لا متناهياً ليتجاوز كون أرسطو المحدود. فجعلوا المكان الممتد خارج فلك النجوم موطناً للنفوس الروحية بما ينسجم مع المعتقدات الدينية. ولكن المشكلة لم تحل تماماً، لا مع بطلميوس ولا مع علم الهيئة العربي الإسلامي، إذ لم يحقق أي منها فتحاً حقيقياً.

لم يتم تجاوز الإشكالية الأرسطية إلا في القرن السابع عشر، وعندها تم التأسيس لبراديم (Paradigm) جديد من خلال منهجية علمية حديثة، ربما اكتملت في صورتها الحديثة مع غاليليو. ونستطيع القول أننا انتقلنا مع غاليليو من إشكاليّة الفلسفة الطـّبيعيّة إلى إشكاليّة علم الطـّبيعة.

ولكن، ما هو سبب هذا الانقلاب العلمي والفلسفي؟

وهذا ما سوف نبحث في الفصلين اللاحقين.

الصفحات