قراءة كتاب العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم

العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم

كتاب " العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

الفصل الثاني:العلم الحديث

البيئة تساهم في صناعة تاريخ أوروبا

لقد خلق الإنسان على سطح الأرض بيئة اصطناعية من صنعه وممارساته عبر تاريخه القديم والحديث منذ عشرات الألوف من السنين، حين اتخذ المستوطنات الدائمة مقراً له وأقام السدود والمشاريع الزراعية والمائية وغيرها لسد احتياجات بقائه ورفاهيته.

ويمكننا العودة إلى نشاطات الإنسان الزراعية قبل 8000 عام، عندما بدأ الإنسان يزيل الغابات للاستخدامات الزراعية والتوسع فيها؛ نتيجة استقرار الإمبراطوريات القديمة وضمان أمنها، وحاجتها المضطردة إلى المواد الغذائية وتوافر الأيدي العاملة الزراعية، وقد تعمق ذلك الضرر قبل نحو 5000 عام، عندما بدأت زراعة الأرز في آسيا، والتي ساهمت في إطلاق بعض الغازات الدفيئة، وبخاصة غاز الميثان.

ولا تقل عملية قطع الغابات أهمية عمّا سلف ذكره من أضرار، ويعتقد بعض العلماء أن التغير المناخي الذي حصل في حوض البحر الأبيض المتوسط منذ قرون، وما زال كذلك حتى يومنا هذا، يعود إلى قطع الغابات في الفترة الواقعة بين 700 قبل الميلاد إلى نهاية القرن الميلادي الأول، وذلك بهدف بناء السفن وآلات الحرب والحصار وإنشاء الأبنية ولاستخدامها كوقود.

وتمثل الفترة التاريخية الأخيرة العصر التي نهضت خلاله الحضارات في سورية كالفنيقيين وفي بلاد اليونان وبلاد الرومان وجنوبي أوروبا، واستمرت الحاجة إلى قطع الأشجار خلال نهوض بيزنطة وإبّان حروب الفرنج مع العرب والمسلمين، منذ نهاية القرن الحادي عشر، عندما كانت المدن الإيطالية تصنع السفن للجيوش الغربية القادمة إلى الشرق لغزو سواحل سورية ومصر. ونحن نعلم اليوم أن أشجار الأرز في لبنان تنحصر في رقعة ضيقة أشبه بالمحمية منها بالغابة.

كما واجهت الأرض في العصور الوسطى، فترة دفء مناخي، أطلق عليها فترة الدفء الرومانية (Roman Warm Period) ، ثم دخلت بعد ذلك في عصر جليدي مصغـّر استمر حتى مطلع القرن التاسع عشر، حينما بدأت ترتفع درجة الحرارة منذ ذلك الوقت.

ولكن فترة الدفء المناخي لم تمنع دخول الأرض في فترات صقيع وبروده مرتفعة بين فينة وأخرى، ودليل ذلك تجمد نهر الفرات في عام 608 للميلاد، ثم بعد انقضاء فترة دفء في القرن الثامن، تدنت درجة الحرارة مرة أخرى في مطلع القرن التاسع للميلاد فتجمد نهر النيل عام 829للميلاد (26).

وهناك دلائل تشير إلى أن نهر التايمز في لندن كان يتجمد سنوياً في فترات متفاوتة، حيث كانت تقام "مهرجانات الجليد" فوقه. وقد كانت السنوات 1680 - 1700 شديدة البرودة في أوروبا، كذلك كان العقد الواقع بين 1810 - 1820، وبخاصة في عام 1816 التي لم ترَ أوروبافصلاً للصيف في ذلك العام (27).

وعلى الأرجح أن تكون أسباب التغير المناخي في العصور الوسطى والحديثة (قبل القرن التاسع عشر) من فعل التغيرات في النشاطات الإشعاعية على سطح الشمس، ومن فعل تغير مدار الأرض حول الشمس وحول نفسها. إذ يؤكد العلماء أن نتائج مراقبة شدة الإشعاع الشمسي عبر آلاف السنين؛ تشير إلى تزايد شدة الطاقة الشمسية المنبعثة من الشمس عبر العصور، وهناك مؤشرات أيضاً على ضعف شدتها في فترات ما، كفترة العصر الجليدي المصغـّر التي تلت ارتفاع درجة حرارة الأرض في العصور الوسطى المظلمة.

في ظل ظروف اجتماعية وسياسية مناسبة، أدت التغيرات المناخية إلى صعود الحضارات واندثارها، فإن تجمد أجزاء من نهر النيل في عام 829 للميلاد كان مؤذناً بفترة تدني درجة الحرارة على صعيد عالمي، وقد تزامن ذلك الحدث مع انهيار حضارة المايا في أمريكا الوسطى والتيتقع على خط العرض نفسه تقريباً. ومع مطلع القرن العاشر بدأ العالم يشهد ارتفاعاً في درجة الحرارة، فبدأ الثلج يذوب في المضيق الذي يفصل النرويج عن آيسلندا، فبدأ الاستيطان في آيسلندا نحو ذلك التاريخ خلال فترة الدفء المناخي (28).

ومع نهاية القرن الحادي عشر بدأ الطقس يميل إلى البرودة وحدثت أعاصير وفياضانات على إثرها اجتاحت الأمراض أوروبا، فبدأ النزوح الشهير خلال حروب الفرنج في نهاية القرن الحادي عشر. وقد تزاحم المهاجرون إلى الشرق في القرن الثالث عشر حيث ازدادت البرودة ودمرت المحاصيل الزراعية في أوروبا، واستمرت البرودة حتى نهاية القرن الخامس عشر. ويمكننا ربط ذلك باكتشاف العالم الجديد والدوران حول رأس الرجاء الصالح (أنظر الشكل: تناوب البرودة والدفء المناخي على الأرض).

الصفحات