كتاب " عين الشلال " ، تأليف د. إبارهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب عين الشلال
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عين الشلال
القسم الأول
السدى
يسير وحيداً في أزقة قريته النائية... يلتفت يميناً وشمالاً متسكعاً لا يعلم إلى أين يذهب... لقد أصبح شاباً يافعاً، لكنه صفر اليدين، فهو لا يملك ما يقوت به نفسه... وتعود به الذكريات إلى الماضي... لم يعرف أبوه عملاً محدداً، فقد كان هذا الأب يعمل أسبوعاً ويمكث في البيت شهوراً، وفي أحد الأيام غادر قريته في عمل له، ولم يعد إلى الآن... ولا تزال الصورة الطفولية المشوشة التي انطبعت في ذهن هذا الطفل عن والده، تعيش معه، فهو يكاد يتذكر يوم مغادرة والده، عندما كان دون العاشرة من عمره، حين استفاق صباحاً على صوت والدته:
ـ "أبو سمير"كيف ستتركنا وحدنا؟
ـ سأذهب إلى المدينة أفتش عن عمل، وعندما أتدبر أمري سوف أعود لآخذكم كي تعيشوا معي في المدينة.
ـ وكم سيدوم غيابك عنَّا؟
ـ شهراً أو أكثر، اتركي الأمر على تيسير رب العالمين...
ـ ونعم بالله.......
ـ أتكل على الله وعليك، في رعاية الصبي وشؤون البيت، أثناء سفري.
ـ سفرتك هذه يا رجّال ستشغل بالي، وإذا كان لا بدّ منها، فأرجوك لا تطيل غيابك عنا كثيراً...
ـ دعواتك يا أم سمير...
ـ برعاية الله وحفظه..
ونزل أبو سمير على درجات الدرج وفتح البوابة الحديدية ولوّح بيمناه نازلاً في طريق البيت الملتوية، حتى وصل إلى الشارع الرئيس في البلدة، وهناك كانت في انتظاره سيارة الأجرة الصفراء الوحيدة في القرية، والتي ما أن حشر نفسه في داخلها حتى أخذته مسرعة، وكانت هذه المرة الأخيرة التي رأته فيها أم سمير، منذ حوالى أربع سنوات، ولم تعرف عنه شيئاً من حينها...
فقد قال لها "أبو حبيب" صاحب سيارة النقل:
ـ نزل في موقف السيارات في منطقة "الكولا" في بيروت، ولم أعلم إلى أين ذهب بعد ذلك...
لقد سمع هذه القصة كثيراً من أمه، كلما كان يسألها عن والده...
وكان سمير يشعر بالحاجة إلى أبيه، كلما وجد الأطفال الذين في مثل سنّه يطلبون حاجاتهم من أبائهم الذين يسارعون إلى تلبيتها... وكانت أيام الخوف والرعب التي عاشها تحت ظل نوبات القصف الإسرائيلي على قريته، هي أكثر اللحظات التي كان يشعر فيها بحاجته إلى هذا الأب... خصوصاً عندما كان يرى الأباء يسارعون إلى نجدة أبنائهم وأخذهم إلى أماكن آمنة..... وكم مرة نجا بأعجوبة من القصف الإسرائيلي المركّز على مرابع اللعب المفضلة لديه ولأقرانه من الأطفال الذين كان يحلو لهم اللعب تحت ظل أغصان شجرة السرو التي ترتفع إلى أعلى الأعالي... وكانت اللعبة المفضلة لهؤلاء الأطفال هي تحدي بعضهم بعضاً في من يستطيع رؤية أعلى الشجرة، لكن الأنظار الشاخصة لم تكن قادرة على بلوغ أعلى غصن فيها...