أنت هنا

قراءة كتاب عين الشلال

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عين الشلال

عين الشلال

كتاب " عين الشلال " ، تأليف د. إبارهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

ـ أهلاً، ذكرني بس باسمك لأكتب بياناتك على سجل الموظفين.

ـ سمير جبر، مواليد "عين الشلال" جنوب لبنان، 1964م.

ـ وين سكنك؟

ـ الأوزاعي! سحبه الموظف من يده قائلاً:

ـ أدخل، لقد تأخرنا عن زميلك الذي سوف تستلم منه عملك.

ضغط الموظف الحائط بيده فانفتح باب صغير وانحشرا فيه، ثم دفعه إلى الداخل، وفي اللحظة التي دوّى انصفاق الباب وراءهما، حتى انفجرت عيناه اتساعاً وفغر فمه، فقد أدرك أنه دخل عالماً آخر غير العالم الذي كان يعيشه. لم يعلم كم من الوقت صرفه في الوقوف واجماً وهو يجول النظر في مجموعة من الرجال العراة إلّا من قماش صغير في وسطهم لستر العورة، لم يشاهد هذا المنظر في حياته أبداً من قبل، وشعر حينها أنه طفل صغير لا يستطيع التعامل مع هذا المجتمع الغريب الوافد إليه، فهو أصغر الموجودين سناً بفارق كبير، وقد جعله الشعور بصغر حجمه أمام الموجودين يتردد في الإقدام، وحاول الفرار والعودة إلى حضن أمه، إلّا أنه تذكر حاجته الماسة إلى هذا العمل، وحسم صراعه هذا عندما سمع صوت الموظف يقول له:

ـ ما بالك يا سمير؟ أدخل! شو مش شايف الخبز كيف تجمَّع على اللوح! بدك تصفه قبل ما ينتزع...

هرول دون أن يفكر فيما يفعل، وانزلق على درجات ثلاث، ليجد حائطاً ينتصب أمامه بارتفاع متر ونصف تقريباً، وطول حوالى مترين وعرض مترين، تحدهما في طرفهما الشمالي الغربي كوة نصف دائرية يخرج منها لهيب النار من الحطب الذي يرمى فيها ويشتعل مرسلاً ألسنته الذهبية ووهجه الدافئ، ويحدها من الغرب حائط يمتد من الشمال إلى الجنوب، مقابل هذا الحائط المنتصب أمامه، ويفصل بين الحائطين وادٍ بعرض أقل من متر بقليل وطول حوالى مترين وارتفاع لا يزيد عن متر ونصف، ويقف في منتصف هذا الوادي رجل ضخم الجثة عملاق الطول.. ثبَّت سمير عينيه على هذا الرجل في دهشة، إنه "الخباز"... "الفرّان" الذي كان يرى صورته في كتاب القراءة، ها هو يراه في الحقيقة... وأخذ يتأمل كيف يبدّل بين يديه "رفشاً" من المعدن غير أن كفّ هذا الرفش مستطيل يوازي بالطول عصاه، وآخر لا يختلف عنه إلّا في كفّه الخشبيّة، وكان في الرفش الأول يلقي العجين المستدير في الكوة وعندما ينتفخ ويصفرّ لونه يقوم الرفش الآخر بإخراجه من بطن هذه الكوة، ويقذف به أمام سمير، الذي سمع صوتاً:

ـ أسرع لمّ الخبز...

نظر سمير إلى الجهة التي انطلق منها الصوت، فوجد رجلاً ـ تبيّن له أنه أعرج ـ كان ينهمك في سحب ألواح الخشب الممددة فوقه رقائق العجين المستديرة ليضعها على رفوف مصفوفة شمال "الخبّاز" ثم يعود لسحب الألواح الفارغة بعد أن يفرغها الرجل الضخم فوق رفشه المعدني ويلقي بها في بيت النار... وفيما سمير واقف لا يدري ماذا يفعل، وكومة الخبز تزداد ارتفاعاً... حتى بقي وحيداً لا يرى إلّا الخبز المرتفع أمامه وغاب عن نظره "أبو مشهور" الذي صرخ بصوته الجهوري المرعب:

ـ هذا ليس شغلاً! أنا ما بقدر اشتغل هيك! جايبين ولد يشتغل وما بيعرف شي! شيل هالخبز يا "صالح" ونادوا لي على عاطف.

ـ حاضر يا معلم لا تزعّل نفسك.

ونزل صالح إلى جانب سمير وهو يقهقه ويصفُّ الخبز كأنّه آلة ميكانيكية، ثم يقفز باللوح المملوء خبزاً ليضعه في خزانة مكشوفة من الرفوف المعدنية، ويعاود تقديم ألواح العجين في الجهة المقابلة، ولم يمر وقت طويل حتى اختفت تلة الخبز من أمام سمير، وإذا بعاطف يأتي ويبتسم لسمير وهو يقول:

ـ يا شباب هالصبي أول مرّة بيشتغل بفرن، فطولوا بالكم عليه.

يرد "أبو مشهور":

ـ يا عاطف هذا ولد ومش قد هالشغلة ونحن ما فينا نوقف النار.

ـ طول بالك عليه.

ويتابع عاطف قائلاً:

ـ يا صالح علّم سمير كيف يصف الخبز.

ـ بأمرك يا معلم، بس ما بقدر لحق على الاثنين...

ـ إنت درّبه شوي وهو بيكمل.

ثم يتوجه إلى سمير قائلاً له:

ـ إسمع يا سمير هالشغلة كثير سهلة، بس صف هذا الخبز كل رغيفين سوا وضعهم على هذا اللوح، وبس يمتلئ اللوح بيسحبه من أمامك صالح.

ـ طيب حاضر.

ونزل صالح وصف اللوح الأول رغيفين رغيفين فوق بعضهما، ثم أخرجه من أمام سمير وقال:

ـ أنظر وافعل مثلي...

الصفحات