أنت هنا

قراءة كتاب عين الشلال

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عين الشلال

عين الشلال

كتاب " عين الشلال " ، تأليف د. إبارهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

ـ الحمد لله، أقعد أقعد.

وقدم له الكرسي الخشبي المهلهل، جلس عليه سمير وغادر حبيب لبعض شؤونه داخل المنزل، وهو يقول:

ـ إسكب لنفسك كوباً من الشاي، أنا سأعود سريعاً.

صبّ كباية من المشروب الأحمر المحبب إليه ووضعها أمامه على الطاولة، المثبتة منذ سنين على سطح البئر، الذي يمثل أرض "البرندا"، التي تقع خلف البيت.

هذا المنزل المؤلف من مدخل في جهته الغربية، ورواقٍ مكشوف ومرصوف بأحجار مستطيلة متساوية، انتصب على جانبيه صفَّان من أشجار السرو، وأمام كلّ شجرة سرو، تستقبل سلة من الورود بروائحها الفواحة، كل زائر إلى هذا المنزل... وينتهي الرواق إلى باب هو مدخل إلى الغرفة الجنوبية، وفي الحائط الشرقي منها باب خشبي يؤدي إلى المطبخ، هذا المطبخ الذي يمثل في الوقت نفسه غرفة الطعام، وإلى الشمال من هذا الرواق بابٌ يؤدي إلى الدار الذي هو عبارة عن غرفة فسيحة... تتدلى من سقف هذه الغرفة سلسلة من النحاس متعلق بها فانوس من الزجاج، يقبع الفانوس على كرة من النحاس مزينة بالنقوش البديعة.

وتنتشر في زوايا الغرفة الكراسي الخشبية، وتنتصب خزانة ضخمة تمتلئ تحفاً نحاسيّة تاريخية تعود إلى العصور الإسلامية... وكان "أبو حبيب" قد اشترى هذه التحف في بلاد الغربة عندما كان فيها من أجل العمل... وينظر سمير إلى الباب الموجود في الركن الشرقي من هذه الغرفة الذي يؤدي إلى سطح بئر هو عبارة عن "براندا"، وفي مواجهتها يمتدُّ بشكل طولي، بستان من الزيتون مسيَّج ببعض أشجار الجوز والكرز وعدد من أشجار التين والعنب في مساحة لا تتجاوز الدونمين... يتذكر سمير في جلسته هذه كم لعب مع حبيب في هذا الحقل، وتشارك مع أهل بيته في جني محصول الزيتون والجوز والكرز والعنب....

يعود سمير إلى أيام طفولته هذه كلما زار حبيب وجلس على سطح هذه البئر.

صوت "أحلام" قطع عليه أفكاره:

ـ عفواً على إزعاجكم لكن أمي تجهّز الغداء وتريد من حبيب أن يشتري لها من السوق بعض احتياجات طبخة المجدَّرة...

ثم التفتت إليه وقالت:

ـ أين حبيب؟

ـ حبيب خرج للحظة وعلى كل حال ما في إزعاج منك أبداً... أنا كنت مغادراً...

ـ لم أقصد.. أهلاً بك، لقد مرَّ وقت طويل لم تزرنا فيه... وبالنسبة إلى الغداء بعد بكير كثير، وبالمرة بتبقى تتغدى معنا... خالتك أم حبيب بتعمل المجدّرة كثير طيّبة، وما حدا بيقدر يفوّت صحن المجدرة الذي تعمله أياديها...

ـ ألف صحة بس أنا اليوم مشغول والأيام جاية كثير...

ـ أنت من أهل البيت وأمي تعزك مثل ما بتعزّ ابنها، ومعزّتك عند حبيب موصوفة، فهو يتكلم عنك أكثر مما يتكلم عن كل أصدقائه: دخل حبيب وهو يقول:

ـ سمير صديقي العزيز.... فهو صديق منذ أيام الطفولة.

ورد سمير:

ـ أنت العزيز على قلبي... خلينا نمشي على السوق وخرج الاثنان وغادرا المنزل يتسايران بين أشجار السرو، حتى وصلا إلى السوق ومن هناك افترقا، على أن يلتقيا في المساء أمام الجامع.

يسير "سمير" في أزقة البلدة القديمة الملتوية شارد الذهن يفكر في عمل يقتات منه، وفي "أحلام" إنها فتاة لم تتجاوز الرابعة عشرة تتفجر أنوثة... يبدو له وجهها الناصع البياض المستدير كأنه القمر في تمامه... إنها تعيش في خياله لكنها بعيدة المنال ومشواره مع المستقبل لا يزال طويلاً، فهو لا يجد ما يقوت به نفسه، فمن أين له المال الذي يفتح به بيتاً ومصاريفه؟

وإذا بصوت انفجار يهزّ الأرض تحت أقدامه، وينبعث الدخان من أمامه وتتساقط عليه بقايا حجارة وزجاج... يلتفت إلى مصدر هذا الانفجار فإذا ببيت خالته "سعديّة" يتطاير في الهواء وتتوالى أصوات الانفجارات على مسامعه، من جرّاء تساقط القذائف المتفجرة على وسط البلدة، وهو يهرول في "الطّلعة" الصعبة المؤدّية إلى بيته، وإذا بدرج البيت الذي يأويه يتطاير أمامه من جراء قذيفة أصابته، فيسرع لنجدة أمه ويخرجها من الباب الخلفي، راكضاً إلى بيت جاره "محمود"، وهناك وجد أبا حبيب الذي كان في زيارة لصديقه، وعلم منهما أن إسرائيل اجتازت الحدود اللبنانية ووصلت إلى مشارف القرى المجاورة، وعلى الفور قرر الجميع الرحيل عن البلدة، فقام أبو حبيب بالإسراع إلى بيته لإحضار زوجته وولده حبيب وأخته "أحلام"، وامتلأت السيارة بمحمود وزوجته وسمير وأمه وأبي حبيب وعائلته، وقد فتح صندوق السيارة وجلس هو وحبيب فيه فوق الأمتعة المحشورة في داخله، وكانا يسندان بابه بأيديهما، بينما هو يتابع ضرباته على رأسيهما، والسيارة تسير بسرعة كبيرة، وهي تتمايل من شدّة القصف يميناً وشمالاً إلى أن يسّر الله لهم الوصول إلى بيروت، فاستقبلهم الهلال الأحمر وسلّم كل عائلة منهم خيمة في مخيم "الغولف" قرب الأوزاعي.... هذا المخيم الذي أقيم من أجل إيواء أبناء القرى الحدودية الجنوبية التي دمرها الجيش الإسرائيلي...

بدأ سمير يومه الأول في مخيّم المهجّرين، عندما تسلم هو وأمه حصتهما، من البطانيّات وبعض الصحون والملاعق المعدنية، ووجبة من الطعام...

استفاق صباح اليوم الثاني وذهب إلى الحمام المشترك، الذي هو عبارة عن خيمة مقسمة بشراشف من القماش، والتي تمثل مجمع الحمامات في المخيم. وعندما وصل إلى هذا الحمام سمع ضجيجاً وصراخاً، وشاهد صفاً طويلاً من الناس، والكل ينتظر دوره، وبعد عراك مضنٍ وجهد جهيد دخل إلى حمّامه وقضى حاجته وغادر وهو في حالة مزرية، ثم عاد إلى حنفيّة المياه الوحيدة الموجودة في المخيم، وهو يحمل "غالون" المياه الفارغ، وانتظر أيضاً في صف طويل، يستمع إلى تململ الناس وشكواهم من حالتهم التي وصلوا إليها، وملأ الغالون حين أتى دوره... وعاد إلى خيمته منتصف النهار، مع وصول وجبة الغداء المقدمة إليه وإلى أمه من شباب وشابات الهلال الأحمر.

الصفحات