كتاب " محمد الصدر - كفاح الجماهير " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب محمد الصدر - كفاح الجماهير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
محمد الصدر - كفاح الجماهير
كل هذه هي عبارة عن التباسات واختلاطات وقع فيها التيار الصدري، أو أوقعه فيها خصومه بذكاء وحرفية سياسية بالغة الدهاء. وهي التباسات تجعل مهمة المثقف المستقل عسيرة في إعادة تفكيك تلك السياقات ومحاولة فرز اختلاطاتها الملتبسة الكثيرة، لأنَّ أصعب المهام هي نقد الأوهام التي تقدم نفسها بكونها هي الحلول، والادعاءات بأنها هي البراهين، والتحزبات بكونها الحياد، وهو أمر استدعى جهداً مضاعفاً وورطة مزدوجة. إذ من غير الممكن إيجاد حد مشترك بين الذي يبحث عن القناعة عن طريق البرهان، وبين الذي يرتضي بالأقنعة التي تأتي عبر السلطان. فنحن هنا أمام رهان أرادت ثلاث قوى تحويله إلى قصة عبر مخيال خاص:
1 ـ أن يتحول العراق إلى قصة نجاح سياسي من قبل الرئيس الأميركي بوش الابن، وبعض الأحزاب العراقية.
2 ـ أن يتحول العراق إلى قصة انتقام وثأر من قبل عصابات الإرهاب وتجارب الحقد الطائفي والقوموي.
3 ـ أن يتحول العراق إلى قصة ثورة كاريزمية عارمة، من قبل التيار الصدري.
وطبيعي أن تكون هذه القوى الثلاث تخشى التحليل لأنه يفكك الرواية ويعيد تركيب القصة بعزل العناصر الواقعية عن تلك العناصر الخيالية الأخرى. إنه أمر يصدم العاطفة الجياشة والذاكرة الجريحة، ويقطع تسلسل أحلام اليقظة؛ إذ لا صحوة أخطر من النقد.
* * *
هذا ما يتعلق بالاعتراف، أما بما يخص التوضيح: فقد يبدو الموضوع صادماً بالنسبة للمثقف ولكل منتمٍ للعلمانية والتنوير أو ساع لثقافة إنسانية مشتركة ومتأمل بمصالحة وطنية دائمة. فقد يكون بحث كهذا دعماً لمنظمة إرهابية أو طائفية بشكل غير مباشر.
وقد يبدو الموضوع مريباً أو مخيفاً بالنسبة للذين ينتمون إلى مذهب ديني ما، حتى لو كان هذا المذهب هو المذهب الشيعي الذي ينتمي إليه الفقيه المغدور محمد محمد صادق الصدر. فموضوع كهذا هو أشبه بإعادة مأزق أو فتنة أو مصيبة، أو إعادة تعزيز لخصم أو منافس غير مرغوب به بالمرة.
وقد يبدو الموضوع متأخراً بالنسبة للذين يؤمنون بخط الصدر أو يحلمون بأن يكونوا كذلك، أو يتصورون أنفسهم بأنهم جزء لا يتجزأ من هذا التيار.
لكن ليسمح لي القارىء أن أبيِّن موقفي، موقفي من اختياري الموضوع كمشغل كتبيّ بالتحديد، فبكل تأكيد لا أريد هنا تقديم صنم جديد، إذ يكفي ما وصلنا إليه من التخمة بالأصنام، قديمة وجديدة:
إننا من زاوية الموقف الثقافي والعلماني والتنويري لا نستطيع رفض الآخر وإجباره على الكف عن بيان معتقداته مهما كانت تلك المعتقدات والتصورات منغلقة، أو موروثة ذات أبعاد أصولية أو راديكالية أو أسطورية رجعية ودويماغوجية من وجهة نظرنا لأن موقفاً كهذا يعارض المبدأ الثقافي والعلمي. فهل يعقل أن يهتم المثقف بتصفح أساطير غاية في القدم حول آلهة المياه والخصب والموت وطوطم القبيل، ويشيح بوجهه عن قراءة كتب فقيه تؤمن به في الزمن الراهن، الملايين من البشر وباسمه حصلت عشرات الأحداث التي أدّت إلى حد سفك الدماء؟!
هذا بالإضافة إلى عدم جدوى التنوير ما لم يتحقق الإصلاح الديني أولاً، كما دلت على ذلك التجربة الأوروبية بوضوح. وهناك سبب ثالث وهو أن مدرسة الصدر تحمل جملة عناصر صالحة للوفاق الوطني بين معسكري الأمة، العلماني والديني كما سوف يتضح ذلك في طيات هذا الكتاب المختصر والعاجل.
إنَّ الارتياب من الطائفية لا مسوغ له، فالنظر في تكوينات مذهب ما ليس أمراً مذهبياً بل الموقف الاستباقي هو الذي ينتج ردة فعل تجعل الآخر يتشنج في موقف دفاعي أو هجومي. بالإضافة إلى أن إعادة النظر هي غنى للتعدد وسبر علمي للاختلاف، على عكس الموقف المهتز والمتخوّف الذي يبعث على الجهل والكسل وإيقاظ الكراهية.
وللتأكيد على ذلك فقد صدرت خلال السنوات الأربع الماضية عشرات الكتب عن الطائفة الصائبية وعن الطائفة اليزيدية، وقد رحّب الجميع بهذا التعريف، ونحن بدورنا نرحب ونشجع، فهل يكون التعريف بطائفة قليلة التأثير السياسي والواقعي أهم من تيار مليوني الانتماء!
على العكس: الكثرة هنا وشحّة الدراسات عن موضوعنا هذا، تجبرنا على التساؤل عن الأسباب الواضحة والخفية الكامنة وراء هذه المفارقة.
عليه، فالمسألة هنا تخص الفضول المعرفي أولاً، وتستدعي مسؤولية المختص وكل من له أدنى معرفة موضوعية بهذه المشكلة ودربة مزالق النظر فيها.
لكن أليس الأمر يسبب خوفاً بالنسبة لأطراف عديدة كأن تكون مسيحية مثلاً تخشى من تقوية تيار راديكالي ينتمي لمذهب الأكثرية ويملك ميليشيا مسلحة.. ألا يكون الأمر بائساً حينما نفكر بالقضية من ناحية ضرورة إضعاف كل ما يهدد أمن نظام دولة طرية العود؟!
سؤال قد يبدو وجيهاً لكن هل النفي هنا هو نِعمَ الجواب. ماذا لو تركنا تجديد تيار جماهيري هو من بين القوى الموجودة فعلاً: القوات الأجنبية، البيشمركة الكردية، فيلق بدر وقوات المجلس الأعلى، التيار الصدري. كيف يكون تردي قوة بهذا الحجم أمراً مطمئناً، ألا يكون ذلك أشبه بتشظي قنبلة بشكل عشوائي، أو السير على لغم نُقنع أنفسنا بأنه بات قديماً ومعطّلاً؟!