كتاب " محمد الصدر - كفاح الجماهير " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب محمد الصدر - كفاح الجماهير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
محمد الصدر - كفاح الجماهير
بينما نجد كتاب «السفير الخامس» يمثّل شهادة شخصية، فهو ينحاز لفئة التوثيق وليس التحليل، وكذلك كتاب «الخواطر» الذي ينضم بدوره إلى قسم التاريخ وليس التفكيك والإبانة. أما كتاب «عجائب وغرائب الصدر»، فهو يمثّل حماسة منبرية وخطابة إنشائية لتفريغ العاطفة من جهة الكاتب، وتأجيج الحماس من جهة المتلقي كتابة كهذه وطرح كهذا يبقى كرحٌ طافياً فوق السطح من دون القدرة على الغور إلى باطن النصوص، فجاءت النتائج كلها معروفة مسبقاً. وعلى كل حال فكتابات مثل هذه إنشائية بعيدة كل البعد عن التروي، إلى درجة أنه يمكن أن تكون ضد الصدر وليس معه. وهذا طبيعي لكون الإسقاطات الذاتية هي الموجهة للكتابة منذ البداية.
لستُ هنا بصدد عرض نقد هذه الكتب، فبعضها أحرز إيجابيات خصوصاً كتاب «الشاهد والشهيد» وخاصة في جانبه التوثيقي؛ وكذلك كتاب «مرجعية الميدان» بتقديمه عناصر التحرك الصدري وشرحها وفرز مكوناتها؛ وكتاب «مرجع الفقه والميدان» كونه المحاولة الأولى لقراءة الصدر الثاني من جميع جوانبه المتعددة؛ وكتاب «السفير الخامس» الذي أعطانا صورة عن الوضع الداخلي في الحوزة والعراق أواخر التسعينيات من القرن الماضي. أما الكتب الأخرى فيكفي على الرغم من كل عيوبها أنها كانت تتحلى بشجاعة الوقوف ضد التيار النمطي السائد.
بيد أن هنالك جملة مشاكل في هذه الكتب أهمها أنها لم تستطع بيان اللحمة والصلة بين الصدر الثاني والصدر الأول، والذي سيكون إحدى ركائز قراءتنا هنا، مع أن من أكبر مشاكل الخصوم أنهم يطرحون محمد محمد صادق الصدر كظاهرة انشقاقية لا علاقة لها بالحوزة ككل، أو أنه ليس إحدى الأطروحات الدينية من الأساس، بالإضافة إلى مشكلة القراءة القائمة على المعطيات المباشرة من دون ضم ما أنجزه الصدر الثاني على الصعيد الكتابي. أما نحن، فإننا نعتقد أن أزمة الصدر الثاني هي عبارة عن أزمة تضاد بين نوعين من الدين ونوعين من العمل العقيدي، وأنها جزء من مشكلة الإسلام الحي مع الآخر الميت الذي يتسربل بأردية الأحياء، إلى درجة أن أعداء الصدر الأول باتوا الناطقين باسمه وباسم تراثه، لذا وجدوا في الصدر الثاني مشكلتين: مشكلة التضاد مع الإسلام الحي، حيث فضح الرجل صمتهم وسكونهم وعقمهم، ومشكلة أن الصدر الثاني أعاد رسم حكاية الصدر الأول من جديد، فاضحاً المرتزقة الذين تكرشوا بلحم ذاك المعلم وعاشوا سنوات طوالاً مُنعّمين بصفتهم تلامذته المفُدّين المخلصين. وهذه المشكلة سوف يعاني منها التيار الصدري بصورة أساسية، وكل هذه بالطبع ثغرات ظلت بعيدة عن تناول هذه الكتب.
إنَّ الورطة تتمثل في قيام معركة حول شخصية مفترضة يقوم كل طرف على رسم مواصفاتها ومنطلقاتها وأهدافها، وكأن الصدر الثاني شخصية خيالية يتمناها الجميع، وليس رجلاً كان له وجود واقعي خارجي!
ما هو أكثر أهمية في هذا التحليل: إن معركة كهذه كان لا بد أن يتفرع عنها عدة أزمات لا شأن لها بالواقع العراقي بالمرة، فهي تجري وفق تصورات وتحيزات لشخصية، مرفوضة أو مقولبة متخيلة، لا وجود لها إلا في ذهنية المتخاصمين، لذا لا بدّ لأية مساع للحل أو المصالحة، من أن تفشل ويعود التوجس بأن فتيل القنبلة ها هو يشتعل مرة أخرى.
من هنا تكون عملية المراجعة ضرورية للجميع. كذلك من الضروري فهم أي نوع من تلك الأفكار قد حرّك هذه الجماهير وكيف، وعلى ماذا كان الخصام تحديداً؟!
من هذا نستنتج بأنه لا خوف من التجديد لأنَّ الأمور الضارة غير قابلة للدوام، فالذي نسعى لتجديده تلك الجوانب القادرة على التخاطب والتعايش والمشاركة، ومن هنا يكون الابتكار، وإلا كان التجديد دماراً وهو أمر لسنا بحاجة إليه كونه متحققاً فعلاً.
* * *
هناك فرق بين من يريد إعادة تسويق المفاهيم الدينية والتراث العقيدي لأجل المنافسة السياسية، وبين من يبحث في الدين عن موقف يعتمده في نضاله السياسي. فالموقف الأول يجعل كل شيء مطية يسوط الناس خلف عياطها وغثّها وسمينها، فلا أهمية لأن تكون هذه المفاهيم مغلوطة، أو تلك الروايات ضعيفة، أو هذا التفسير خاطئاً، أو تلك الاستدلالات ناقصة؛ ما هو مهم هو القدرة على تجييش الجيوش وتحفيز عقول البسطاء بواسطة لافتات دينية وأسماء تاريخية، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وصنع زعامات دنيوية ترتدي عباءة الدين وسيفه.
بينما الموقف الثاني غرضه الأول نصاعة المفهوم الديني. فالسياسة هنا مطلب لدفع الظلم وتحقيق العدل وأداء التكليف الشرعي. ومعلوم أن الخرافة والاعتماد على الروايات الضعيفة واتباع كل من هب ودب ولبس عمامة وارتقى منبراً، لا يحقق إفراغ الذمة وأداء الواجب الفقهي، بل إن الذي يترك نفسه خرقة تتلاعب به العقول وتستغفله التيارات والأحزاب والشعارات، ليس هو سوى شخص يُبعد نفسه مختاراً عن ساحة تطبيق الشريعة، وهو بذلك سوف يبتلي بالحيرة والتخبط ثم الوقوع بالتناقض حينما يُغيّر أصحاب الدكاكين شعاراتهم وراياتهم وقراراتهم.
لقد كان محمد صادق الصدر أبرز فقيه قام بطرح فكرة المهدوية على بساط النقد العقلي والتاريخوي، لكن هل كان محمد صادق الصدر من خلال عمله الموسوعي الفريد هذا يريد أن يطرح نفسه خاتم الناقدين أو كونه الوصي على تراث الأمة وعقلها؟!
بالطبع لا، ومن يقول ذلك يُسخّف نفسه ويتجرّأ بالكذب على الرجل، فإذا كان الصدر الثاني ليس وصياً على الناس فكيف لمن يتبعه ويدّعي حمل بقية الكفن منه أن يطرح نفسه وصياً على المجتمع ومؤدّباً للناس بالعصا والتهديد والوعيد، وأن تياره خاتمة الطرق إلى اللَّه وإلى الوطنية والسياسة؟!
يقول الصدر الثاني في الجزء العاشر من موسوعة «ماوراء الفقه» في فصل الذمي ضمن بحث شروط الذمة:
(أحكام الذمة وشرائطها مشروعة عندما يكون الحرب والجهاد مشروعاً، هجوماً أو دفاعاً، وأما بدونه فلا. ومنه يظهر أنه ليس في أيامنا هذه من الكفار ممن هو من أهل الذمة لعدم تحقق هذه الشرائط ولا تلك).