أنت هنا

قراءة كتاب محمد الصدر - كفاح الجماهير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محمد الصدر - كفاح الجماهير

محمد الصدر - كفاح الجماهير

كتاب " محمد الصدر - كفاح الجماهير " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 6

فإذا كان الصدر الثاني يلغي الوصاية والحاكمية على الأديان الأخرى باعتبار أن شرائط الموضوع قد تغيرت، فكيف بمن يريد أن يضع المجتمع بأكمله تحت وصاياه ويفرض هيمنته عليه؛ كل ذلك باسم الإسلام أو تحت عنوان التيار الصدري؟!

الصدر الثاني هنا يصرح بزمانية ومكانية الفقه؛ فشروط الأحكام المتعلقة بأهل الكتاب مثلاً يقول عنها الصدر الثاني في ذات البحث المشار إليه، بأن مثل تلك الشروط يجب أن:

(يتبع في تعيينها وزيادتها ونقصها، وضع المجتمع الفعلي، والمصلحة الوقتية عند وضع الشروط. وإنما ذكر الفقهاء هذه الشروط كنماذج للشرائط التي تكون غالباً متوافقة مع المصلحة العامة).

ألا نجد هنا في مشروع محمد صادق الصدر مشروع كفالة وطنية ينبغي حمايته من الأدران التي لحقت به وغسلها، خصوصاً في زمن انفجار الأصوليات وهستيريا العمل الديني المسلح؟!

إنَّ المهدوية فكرة بالغة الخطورة، فهي جزء من تراث مشترك بين الأديان السماوية والأرضية، وهذا يعني أن الفكرة مثقلة بين نصوص ربانية وبين تراكم كتابات أسطورية. وقد كان الصدر الثاني يعتزم إصدار مجلد خامس بخصوص هذه القضية بالذات عبر بحث قضية الإمام المهدي في الكتب القديمة مثل التوراة والإنجيل. عليه فالقضية توجب أن نميّز بحذر بين ارتباط بفكرة الإمام المهدي وهو ارتباط خرافي أسطوري، يخرج الناس من العصر ويرمي بهم في ظلمات الأكاذيب وطوباويات القرون القديمة، وبين ارتباط بفكرة المهدي باعتبارها نابعة من الاستدلال العقلي والارتباط الإيماني العائد لثبوت الصحيح من المرويات النبوية؛ فتكون الفكرة هنا ليست ضد العقل وإنما قائمة بفضله، وهذا ما يفسر كل ذلك الجهد الذي بذله الصدر الثاني لعرض المسألة على العقل ومناقشة كبرى المدارس الفكرية التي كانت موجودة في عصر الصدر الثاني.

إنَّ حمل هذه الفكرة كموروث خالٍ من الاستدلال يعتمد على تجييش العاطفة الخالص، وهذا يعني أن فكرة المهدي هي ضد العقل وضد الروح وضد العلم، وبالتالي تكون شعاراً مخادعاً يرمي إلى الضحك على عقول الجماهير بواسطة رجال لهم ارتباطات غامضة، يعتمدون على الجهل وعلى التراث خارج النقد. وفي هذا السّياق، تظهر لنا تيارات سياسية تعتمد على الفكرة خارج أي نقد والفكرة الشائعة، فتتكون مجاميع تقتل وتضرب على الظن والتهمة، من غير الالتفات بأن هذا السلوك يناقض يقين الإيمان وأولى بديهيات الدين وفطرة الإنسانية.

إذن، فقضية تجديد التيار الصدري تعني تخليص الدين عموماً والمهدوية خصوصاً، من براثن السياسة التي حوّلتها إلى خرافات تتوزع على عدد من الرجال الذين يتاجرون بدماء الناس للوصول إلى مكاسب سياسية ومناصب قيادية. لذلك، فإنَّ تخليص السياسة من أن تقوم على أفكار خاطئة تنتج عنفاً ولن تكون قابلة للتصحيح إلا بمزيد من العنف المضاد والمضاعف. وأيضاً فإن قضية تجديد التيار الصدري تعني قبل ذلك كله إعادة الارتباط الجماهيري على أساس العلم وليس الجهل، على أساس الوعي وليس الموروث، وهذا معناه أن يتخلص التيار الصدري من شائبتين:

الأولى: ضرورة نزع عباءة الوصاية على الناس، فتراث محمد صادق الصدر، تراث حواري نقدي، ناقش جميع الأطراف في الفقه والتاريخ والفلسفة والسياسة «أنا أقدم لك فهمي، أنت لك فهمك، أنا لا أفرض رأيي على أحد» كما كان يقول محمد الصدر في الخطبة الأولى من الجمعة الثالثة.

الثانية: ضرورة التخلص من نهج العنف المطلق، فكون تراث ما هو تراث نقدي معناه أنه يعتمد عرض الأدلة وليس من خلال التلويح بالسوط والاعتداء والتشهير والاغتيال.

علينا أن ننتبه إلى أن الذين يصرون على السلوك العدواني الجاف المتزمت، القائم على الجهل والتجاهل بتراث الصدر الثاني وأي تراث فقهي وفكري نقدي آخر، هم في الحقيقة أعداء هذا التيار وأعداء الناس وخصوم إعادة بناء النفس والمجتمع، وأن انتماءهم هو محض هلوسة شعاراتية وليس ارتباطاً واعياً ملتزماً. فتراهم يخافون من تعلم الجماهير، ويخشون من الهدوء وإعادة السلام والأمن للناس وتجديد الحياة والعمل، ويفرون بغضب الوحوش عندما تتمّ دعوتهم للحوار وعرض الأدلة والاختلاف. وبالتالي فإن هكذا زعامات ورجال هم نقيض الشريعة وضد الوطن واتِّباعهم يؤدي إلى هدم الدنيا وتضييع الدين.

إلى هنا نستنتج بأن دعوى تجديد التيار الصدري هي دعوى للأحزاب السياسية الدينية وتياراتها إلى أن تترك مساحة للأمة كي تعيد الوعي بنفسها. فإعادة الوعي للأمة هو الخطوة الثابتة لتجديد التيارات والأحزاب ودفع للسياسة أن تعيد بناء ما فاتها، وللدين أن يسترد ما سلب منه وما استلب بواسطة ادعاء الوصية عليه.. التجديد هنا هو دعوة لفاعلية النقد.

* * *

الصفحات