كتاب " محمد الصدر - كفاح الجماهير " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب محمد الصدر - كفاح الجماهير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
محمد الصدر - كفاح الجماهير
فبعد سقوط السلطة، لم تندثر لدى أبناء السنَّة ولاءاتهم للدين والوطن والعشيرة والمذهب، بل كل ما انهار هو (ولاء للسلطة) يمكن أن يتشكل من جديد على أساس رؤية جديدة يصنعها الولاء للوطن، حين يجد المسلم السنّي العراقي أجندة وطنية يمكن أن تخلق لديه شعوراً بالأمن على مستقبل وطنه.
ومن الضروري أن نشير إلى أن الولاء للسلطة كان يمثل أضعف الولاءات لدى أبناء السنَّة؛ فحين أراد (صدام) أن يكتب القرآن بدمه، رأينا الكثير من علماء السنَّة يتصدون لهذا المشروع ويدفعون من أرواحهم ثمناً للتصدي، وقبلها الثمن الذي دفعه الشيخ العالم (عبد العزيز البدري وأنصاره) وهو من كبار علماء السنَّة في العراق، نتيجة تصديه للدفاع عن الإسلام، وهنا نجد أن الولاء للدين أقوى من الولاء للسلطة.
وفي أنموذج آخر، نجد أن الولاء للعشيرة عند أهل السنَّة أهم وأكبر من الولاء للسلطة، في المحنة التي عاشتها قبيلة (الدليم) وهي قبيلة المرحوم (محمد مظلوم) تحت آلة القمع الصدامية، ونجد من خلالها أن الولاء للسلطة قد تلاشى أمام الولاء للعشيرة، حيث تصدت قبيلة الدليم للسلطة عند شعورها بهدر كرامة العشيرة.
وقبلها وجدنا أن الولاء للوطن قد سحق الولاء للسلطة حين قام صدام بإعدام الرعيل الأول من (البعثيين) لأنهم أحسوا بأن تسلق صدام للسلطة يمثل خطورة على الوطن، فعارضوا انتخابه، مما حدا به لإعدامهم دون محاكمة، وهنا نوع من أنواع تلاشي الولاء للسلطة أمام الولاء للوطن.
وبعد كل ذلك، فقد كان الصدريون يراهنون على ولاء أهل السنَّة لدينهم ومذهبهم ووطنهم وانتمائهم العشائري العروبي أكثر من انتمائهم للسلطة، خصوصاً بعد زوالها، ما لم يأتِ مؤثر (خبيث) فيدفع أهل السنَّة نحو استعادة الولاء للسلطة تحت ضغوط نفسية (خارجية أو داخلية) مدروسة.
السيد مقتدى الصدر وأتباعه، راهنوا على هذه الولاءات الوطنية والإنسانية لدى أبناء السنَّة من العراقيين، ولذا بادروا إلى إرسال الوفود والتشبث بالصلاة الجامعة (السنية ـ الشيعية)، يحدو بهم سائق من قول السيد الشهيد الصدر حين قال (من قال هذا شيعي، وهذا سنّي، فهو منافق). وبالمناسبة، فنحن نعتذر للسيد الشهيد أننا نورد عبارات وتسميات (شيعة) (سنَّة) وهو يعلم أن غايتنا منها الإيضاح ليس إلا.
لقد انتبه المحتلون إلى خطورة مشروع الوحدة الوطنية الذي دعا إليه مقتدى الصدر، وسارع إليه العراقيون الشرفاء بسنّتهم وشيعتهم وعربهم وكردهم ومسيحييهم وصابئتهم وغيرهم، وبات لزاماً عليهم أن يفرزوا الأوراق ويعيدوا قراءتها من جديد، من أجل تقويض هذا المشروع الذي من المؤكد أنه سيقهقر المشروع الأميركي في العراق والمنطقة.
إن الولاء للسلطة السابقة لم يكن منحصراً في دين أو قومية أو طائفة معينة، بل كان منتشراً على طول خارطة العراق وعرضها، ولكن بنسب متفاوتة، تحكمها الانتماءات الطائفية والدينية والعرقية، وتحكمها المصالح الشخصية، والرغبات النفسية، وحب الدنيا، أو حب الذات، أو البحث عن مجال للتحرك، أو البحث عن السلطة، وخصوصاً بعد أن تحول الولاء (للحزب) إلى مجرد ولاء (للسلطة) تحت تأثير دكتاتورية القرار، والقفز فوق الشعارات، وذوبان الحزبية في بوطقة السلطة.
لقد استفاد الصدريون من تجارب ذوبان الشعارات والأهداف والمبادىء وتلاشيها في بوطقة الحزب والتحزبية، وتحويلها إلى ثانويات بالنسبة لمصلحة الحزب وقياداته، وانهيارها أمام زخرف السلطة، ولذا لم يفكروا بتأسيس حزب لهم خشية تحول الشعارات إلى مادة من مواد خدمة الحزب والسلطة، وخوفاً من انهيارها أمام مصلحة الحزب).
ونحن لو قارنا هذا الكلام بخطاب البيانات الصادرة عن مكتب التيار الصدري خلال الأعوام بين 2003-2006 فسوف نجد أنه كلام يقع في دائرة المستحيل والمرفوض والمسكوت عنه، إذ لا يعلو شيء على صوت المعركة، والمعركة التي كان يفهمها القطاع الواسع من جماهير التيار وقادته، هي معركة السلاح فقط. في حين نجد أننا الآن أمام شرائح داخل التيار الصدري ترفض منطق العنف الثوري وخطاب الأنا النرجسية والطائفية، وهذه بدورها هي إحدى المفارقات. ففي حين كان التيار الصدري في السنوات الماضية يغالي في العنف الثوري، كانت الأحزاب المنافسة الأخرى تنادي بالدبلوماسية والحوار. الآن هذه الأحزاب تشنّ حملة مسلحة ضد التيار الصدري وتنفّذ سلسلة اغتيالات والتيار الصدري يدعو إلى إعادة إنتاج خطاب ثقافي يكون هو سبيل المقاومة بدل السلاح. إنها مفارقة لن نتوقف عندها لكونها القول السياسي المحض وهو ما تركناه لكتبنا وبحوثنا الأخرى حول مسألة الامتناع والممانعة في راهن العراق الجديد. وعلى أية حال فإن هذه التغيرات تفرض على المثقف المستقل أن يؤدي دوره كي لا تتكرر المأساة ويتعمق تزييف المفاهيم وفق لعبة القوى السياسية المأزومة التي لا تبالي إلا بمصالحها الفئوية والحزبية تاركة الوطن حطباً يحترق تحت قدور طبخها المثقوبة. وكما قال أستاذ الدهر: العاقل من وعظته التجارب.
* * *