أنت هنا

قراءة كتاب مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

كتاب " مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا " ، تأليف حسين نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

هي الكلمة السواء مثلاً " تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" وهي التي تقوم على مبدأ الحوار الذي يعني قبول الآخر كما هو وليس تشويهه على صورتنا وإنما قبوله والتعامل مع أفضل مكوناته.
* إنك تبرئ الدين من كل ما حصل، وتضمن جوابك اتهاماً إلى العلمانية وتعتبرها أنها أساس الشر.. بينما الفكر العلماني في جوهره يقوم على العدالة والمساواة وحقوق الإنسان وحرية التعبير.. إلخ، وقد ساهم هذا الفكر بإرساء أسس النهضة ومعالمها في أوروبا والغرب بشكل عام.
- الفكر العلماني المادي ينتج نظاماً للقيم. هذا الأخير يركز على النجاح الشخصي بمعنى الفرد لا بمعنى شخصية الجماعة، النزعة القومية النزعة الشوفينية - العنصرية. وهذه شهدها العالم الغربي، وهذه نقطة مرضية أتحدث عنها، هذا الفكر الذي تجرد من الإيمان انتج الإرهاب، النازية والفاشية والاتجاهات العدمية " نيهيليست" وكل ما يقوم على مبدأ قهر الآخر واستلابه وليس التكامل معه. الانسانيات الغربية هي في عصورها في الشعر والموسيقى والنحت والرسم تزامنت مع الفورة العظمى للنزعة العدوانية الغربية، عصر الاستعمار الكبير شهد أعظم حركات العدوانية ضد الشعوب وشهد أروع إنجازات الروح الغربية في كل الفنون والطبيعة والإنسانيات، والآن نذكر من كل العالم الغربي الاسماء اللامعة في القصة والشعر والمسرح والسينما والنحت والموسيقى... ترى هذه الإنسانيات وهذه الروح هل كانت تعتبر أن هناك إنسانية شاملة أو كانت ترى أن الكمال الإنساني مخصوص في هذا العرق وفي هذه القارة وفي هذه الأجناس؟ فيما يبدو لي أن الأمر هو هكذا. هذه النقطة جديرة بالذكر.
- أعود إلى سؤالك وأقول إن العلمانية انتجت نظام قيم يقوم على دفعه كيفما كانت، فأنتجت الاستعمار والاستعمار المباشر الإمبريالي. كأن نرى التفاعلات تكاد تنتج ما يسمى حداثة وعولمة. هذا الأمر لا يقوم وقيم عمومية شمولية بشرية، يقوم على أخلاق انتقائية، فما يناسبنا لا يناسب غيرنا وما يناسب غيرنا قد لا يناسبنا.
في الإسلام الأمر يختلف عن هذا. نحن ننظر إلى وجود أخلاق إنسانية. أذكر مثلاً وننتقل إلى سؤال آخر. نحن نعلم في أدبياتنا الأخلاقية أن الإنسان إذا كان ذا طاقة - نعمة ينبغي أن يستثمرها في مسؤولية - صحة أو علم أو مال أو خبرة أو قدرة - العالم الغربي نجد أنه يستخدم قدراته من دون مسؤولية، فقد استهلك الطاقة بروح غير مسؤولة وطور إمكاناته العلمية بروح غير مسؤولة، تعامل مع الطبيعة وأنتج العلم بروح غير مسؤولة. والآن مشكلتنا ليست في ما نحن متقدمون فيه، وفي مخزون من السلاح المدمر الذي يمكن أن يدمر الكرة الأرضية ثلاث أو أربع مرات. مشكلتنا في استهلاك الطاقة الذي بدأ يخل بالتوازن الكوني وليس بالتوازن الحيوي فقط، مشكلتنا في استهلاك 80% من خيرات الطبيعة لـ 20% من سكان العالم وهم الدول الصناعية الكبرى.
هذا شر العلمانية، وأنا أذكر نموذجاً بصرف النظر عن موقفنا من النظام العراقي فطريقة استعمال القوة مدمرة. فأنت لا تجد ديناً هنا وإنما فكراً علمانياً براغماتياً وضعياً وهو خارج نطاق الإيمان بالغيب وخارج نطاق الأديان بكل معنى الكلمة.
* لقد تعثر الدين في مواجهة عصر الحداثة ( مع أن الغرب يفكر في أبعاد عصر ما بعد الحداثة) أليس للقيمين على الدين نزعة ماضوية في محافظتكم على الطقوس والاحتفالات واللغة في طريقة تفكيركم!
- أعتقد أنه يجب علينا النظر في الخلفية التي أنتجت هذا الصراع. هل المطلوب من الدين أن يكيِّف نفسه وفقاً للمتغيرات.
هذه المسألة اختلف فيها معكم ولا أوافق على أن مسؤولية الدين أن يكيّف أو يغيّر نفسه وفقاً للمتغيرات. فالدين يمثل أعظم الثوابت في الكينونة البشرية وهذا أمر ثبت تجريبياً. وآخر التجارب الكبرى انهيار النظام الإلحادي الأكبر في العالم، انهيار الاتحاد السوفياتي.
الدين لم يتعثر في مواجهة عصر الحداثة بل الحداثويين يريدون من الدين ما لا يمكن له أن يعطيهم أياه. يريدون أن يكون الدين عبارة عن موديل وزيّ وأن يكيّف نفسه بحيث يكون لدينا دين على نحو المدارس الفردية، على نحو أزياء الموضة. وفي ذلك لا يبقى الدين ديناً يمثل ثابتاً ويمثل نهجاً. فالثوابت في الدين لا يمكن تغييرها، أي القيم الأساسية التي تقوم على اعتبار الفرد هو القيمة الأساسية المطلقة وليس المجتمع.
أما الدين فلا يوافق على هذا وهو يرى أن الجماعة تتمتع بحرمة وقيمة أخلاقية ولها شأن يجب أن يحترم. وتقوم الحداثة أيضاً على أن الغاية القصوى لحياة الإنسان هي أن يحقق النجاح بمعنى أقصى قدر من اللذة وأقصى قدر من القوة في هذه الدنيا. الدين يخالف هذه الرؤية. فالحياة الإنسانية لها مدى أبعد، الدين يتجاوز هذه الدنيا ويعتبر أنه على الإنسان أن ينجح هنا وينجح هناك، أي أن النظرة الخلاصية هي أساس في الدين.
والعنصر الثالث في الحداثة هو عدم الإيمان بالغيب إطلاقاً، ويرى أن العالم هو حقيقة وضعية بجميع أبعاده. الدين يقوم أساساً على الإيمان بالغيب. وكثيراً ما يستعمل المفكرون والمثقفون مصطلح حداثة وأعتقد أنهم يعنون به معاصرة. فالحداثة بهذا المعنى لا يمكن أن نقبلها أبداً لأنها تتناقض مع الإيمان الديني. نعم للمعاصرة أي أن نقول إن الحياة حياتنا أعيدت صياغتها الآن وفقاً لمتغيّرات كثيرة في العلم وفي التنظيم. يوجد وضع تنظيمي للمجتمع وللعالم جديد وتوجد حقائق علمية اكتشفت أكثر مما كانت مكتشفة. ويتناول الحقل الثالث في المعاصرة تغيير الأفكار أي نظام القيم في قضايا الأسرة والمرأة والحريات السياسية، أما في مجال التنظيم والعلم فالدين يواكب مواكبة كاملة، لا يوجد هناك أي اشكاليات في الاستفادة من كل أشكال التنظيم التي ثبت نجاحها في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي مجال العلم؟ ما ثبت أنه حقيقة علمية غير قابلة للدحض أيضاً الإيمان الديني يقبلها ويوافق على أن يكيِّف الإنسان نفسه وفقاً لها.
أما في مجال القيم وعالم الأفكار وليس في عالم الأشياء كما كان يقول صديقنا المرحوم مالك بن نبي، في عالم الأفكار هناك عالمان، عالم يخلقه أو يتكون أو ينبع من الإيمان الديني الذي يتعلق بطبيعة العلاقات الداخلية بين الأسرة وداخل المجتمع. ويوجد عالم أفكار آخر نتج من خلفية حضارية ثقافية فلسفية أخرى. وهذا هو الذي يكون مجالاً للحوار، أن نتحاور ونكتشف المساحات المشتركة فيما بيننا.
الآن مع المسيحية نحن نتعامل بهذا الشكل. مع الأديان الابراهيمية، حتى مع اليهودية أو مع الهندوسية أو البوذية نحاول اكتشاف المساحات المشتركة وهي كثيرة. وهناك أفكار لا نستطيع الموافقة عليها وفي هذه الحالة لا نستطيع أن نتقمصها لأننا مضطرون أن نكون نحن لا أن نكون غيرنا. فيما يتعلق بعالم الأفكار لا نقول إن الدين لم يواكب أو أنه تعثر في مواجهة عصر الحداثة. وفكر المواجهة نحن لا نريده. بعض علماء الدين وبعض الحركات الإسلامية تبني تفكيرها على أساس مواجهة. أما أنا فلا أريد ذلك. أنا أقول نحن موجودين على أرض واحدة ويجب أن نكتسب طرائق للتكافل فإذا لم نتكامل فيجب أن نكتسب طرائق للتعايش لأن ينمو كل منا وفقاً لنظامه الخاص.
أما قولكم إن للقيمين على الدين نزعة ماضوية فهذا غير صحيح. ماذا نعني بالماضي أولاً، لا أعتقد أن هناك حضارة أو ثقافة أو اجتماعاً تقوم على ماض، فنحن أبناء الماضي والماضي نحمله في داخلنا وفي حاضرنا الذي سيكون ماضينا بعد لحظة. والمستقبل الذي نتوقعه سيكون حاضرنا.

الصفحات