أنت هنا

قراءة كتاب مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

كتاب " مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا " ، تأليف حسين نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

يوجد أشخاص غير مؤمنين ولا قناعات دينية لديهم. فليقل هؤلاء أن ليس لديهم هذه القناعات وأنهم يريدون بناء شكل أسرتهم وفقاً لقناعتهم الخاصة. فليجعل لهم قانون إلزامي إذ للشخص الذي يقول عن نفسه إنه مسلم أو مسيحي أو ملتزم دينياً قانونه الخاص وللشخص الذي يعلن عن عدم تدينه قانونه الخاص أيضاً.

نحن عارضنا فرض هذا النظام على التشريع اللبناني بعنوان أنه يشمل كل المجتمع. هذا سيحدث مفسدة كبيرة ويخالف أصول ديني. فهو ليس تزمتاً لأننا لم نتزمت. الآن نحن نعلم أنه يوجد في المجتمع العديد ممن اقترنوا وشكلوا أسرهم وفقاً لقانون الزواج المدني ونحن نحترمهم ونقبلهم في المجتمع ونعتبر زيجاتهم شرعية وفقاً لقناعاتهم وليس لقناعاتنا.

أما أن ترغب العلمانية في فرض نفسها في حقل التشريع على المجتمع فهذا ما نعارضه.

* هناك من يدعو إلى مشروع أخلاقي عالمي عادل. ويدعو الأديان إلى الاضطلاع بدور إيجابي في المجتمع الإنساني.. هل تدعمون قيام مثل هذا المشروع أم أن خصوصية الأديان لا تسمح بذلك؟

- في ما يتعلق بالعلاقات الدولية والعلاقات الإنسانية نحن ندعم هذا المشروع فنعتبر أن التطور الذي آل إليه الفكر الإنساني في حقل حقوق الإنسان هو أحد المظاهر الإيجابية لتطور البشر.

ولكن عندنا ملاحظة واحدة: إن كل إطار عقائدي يستند إلى نظرة فلسفية في حقوق الإنسان تختلف عن الإطار الفلسفي أو العقائدي الآخر.

هناك مساحة مشتركة نحن نقبلها جميعاً. لكن أنا أذكر مثلاً هنا، المبدأ الذي تقوم عليه فكرة ولاية الإنسان على جسد نفسه. فنحن نتصرف بأجسادنا وقد وصل الفكر الغربي إلى حد الولاية على الجسد بنحو يبيح للمرأة أن تمارس الجنس بصورة مطلقة خارج الحياة الزوجية، وأن يبيح للواط، وتنشأ مجتمعات الشذوذ الجنسي. وهذا أمر نعتبره نحن خارج نظامنا الأخلاقي، لذلك لا يمكن أن يقال لنا إن من حقوق الإنسان أن يتصرف في جسده كيفما اتفق. فنظامنا الأخلاقي لا يسمح بذلك وهناك معايير أخلاقية وشرعية للتصرف في الجسد.. وهكذا قس على هذا أموراً أخرى. مع هذا التحفظ وهو إخضاع هذا النظام، مثلاً ما حدث في مؤتمر بكين أو مؤتمر القاهرة في شأن الأسرة والمرأة: الدعوة للإباحية الجنسية أو حرية الإجهاض أو ما أشبه ذلك.

تحفظنا على هذه الأمور في مؤتمر بكين ومؤتمر القاهرة هو ضرورة خضوع المعيار الأخلاقي للخلفية الفلسفية التي يقوم عليها الكيان الحضاري والمضمون المعنوي لهذه الأمة أو تلك، لهذا العالم الثقافي والحضاري أو للعالم الثقافي الآخر.

في ما يتعلق بهذه النقطة لدينا هذا التحفظ ونحن ندعو إلى التزام أخلاقي عالمي وإلى تكوين عالم لا يقوم فقط على توازن المصالح أو صراعها فيما بينها وإنما يقوم أيضاً على قيم الأخلاق بحيث أنه يكون صراعها فيما بينها وإنما يقوم أيضاً على قيم الأخلاق بحيث أنه يكون العالم عالماً متكاملاً وليس عالماً متصارعاً. طبعاً هذه نظرة يوتوبيا أي نظرة مثالية ولكن هي مثل أعلى، يشدنا إليه جميعاً.

واليوم أعتبر أن الأيمان الديني حقق انتصارات كبرى، الآن مثلاً نحن نشهد على مستوى عالمي مؤسسات تنادي بحقوق الإنسان من الجمعيات الصغيرة إلى المنظمات العالمية. وهذا تطور إيجابي جداً ضخم وجداً محترم لم يكن موجوداً في الماضي. وهو ليس نتيجة للروح الوضعية العلمانية بل نتيجة للإيمان الديني.

* لكن هذه الانتصارات الدينية التي تتحدث عنها جاءت نتيجة إخفاق العلمانية والأفكار الطليعية في إدارة المجتمع. وهذا النقد يمس القيّمين على إدارة الأفكار.. لا الأفكار نفسها. وبالتالي هناك من يعتبر أن تراجع الحركات والتيارات الوطنية والقومية واليسارية هو الذي ساهم إلى هذا الحد أو ذاك في انتشار الظاهرة الأصولية والتحلق من جديد حول الفكر الديني.

- أنت ترى اليوم أن الحضارة الحديثة أنتجت الدولة الحديثة، أنتجت الصراعات الداخلية التي أفرزت الدولة القومية، أنتجت الروح الاستعمارية التي دفعت إلى الصراع والحروب داخل القارات. وتوحد العالم الغربي ليس على الخير وإنما ضد الآخر وفي سبيل مواجهته، ضد الشرق والعالم الثالث، وحدث عصر الاستعمار الكبير وعندما أصبح هذا الاستعمار الكبير المباشر مكلفاً بشرياً حيث أصبح الإنسان الزنجي أو الأصفر أو الأحمر قادراً على استعمال البندقية والمسدس، وفي البداية عندما حاربونا كنا نستخدم السيف للدفاع عن أنفسنا، وكان لديهم بندقية أما اليوم بتنا نحاربهم بالبندقية. وطور الاستعمار الامبريالي نظام الاقتصاد العالمي بحيث قام على النهب وربط كل إنتاج البشر بالدورة المالية المتعلقة بالعملات الصعبة والبنوك الكبرى. واخترعوا لنا بعض المؤسسات من البنك الدولي وبنك استثمارات وغيرها، أنتجوا هذا العنف الاقتصادي البريء الذي لا سفك دماء فيه لكن فيه أطفال تولد من دون طعام وتموت جوعاً أو تولد مشوهة، وتوجد شعوب بكاملها، الثروة تحت أقدامها وهي جائعة كما نرى في أفريقيا وغيرها.

* في إطار ثقافي يميل إلى التعددية والانفتاح، ترى الديانات العالمية نفسها مدعوة إلى إعادة النظر من جديد في تحديد مفهومها للحقيقة. ألا ترى أنه حان الوقت كي نتصور خطة جديدة تستطيع الديانات الكبرى من خلالها أن تتعاون معاً لتسهم في إرساء السلام بين البشر؟

- أولاً: إن الأديان مدعوة لتعيد النظر في تحديد مفهومها للحقيقة، هذا التعبير غير دقيق. أنا أتكلم عن مفهومنا الإسلامي. الإسلام في روحيته وعقلانيته يدعو إلى نقد الذات المستمر وإعادة النظر في المواقف مقيسة على المبادئ. ويدعو إلى الكلمة السواء أي إلى بناء رؤية كونية للعلاقات الانسانية.

الإسلام يشجع التعددية الآن نحن نرى أن من حق كل مجموعة لغوية أن تعبّر بلغتها، مثلاً لماذا لا يسمح للبربر باستعمال لغتهم، وللأكراد أن يستعملوا لغتهم في نطاق وطني عام أم في نطاق مجتمعي عام ضمن إيمان واحد.

نحن نرى مشروعية الاعتراف بالتنوع الديني وإعطائه حرية التعبير عن نفسه ما عدا بعض البدع التي لا تعتبر أدياناً وإنما كيانات تآمرية وهي لا تمثل شيئاً يذكر. التنوع الديني، التنوع الثقافي، التنوع القومي، التنوع اللغوي. موضوع التعددية نحن نعترف به باعتباره تنوعاً في الوحدة. النزعة الموجودة الآن في السياسة الدولية تحت ستار التعددية هي عمليات تفتيت وليست عمليات إغناء. أي تشجيع الأقوام على التعبير عن خصوصياتهم ليس بهدف بناء أنظمة تكاملية وإنما بهدف تفتيتي. وكما نلاحظ الآن ما يتهدد وطننا العربي من مسيحية وإسلامية وسنية وشيعية أو النزعات العرقية التي تدعو إلى تفتيت المجتمعات. وهذا نعتبره عملاً عدوانياً. أما أصل الاعتراف للبشر بتنوعهم فهناك آية مباركة يقول الله تعالى ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) أي بهدف التنوع والتكامل وليس التنوع بهدف الانفصال.

في المقابل نجد نزعة تقول بوجوب تذويب الفوارق لمصلحة كيان عام ونحن لا نوافق عليها.

الصفحات