كتاب " مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا " ، تأليف حسين نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا
وهذا ما يحدث الآن بالنسبة إلى المسلمين في بعض الدول مثل يوغوسلافيا حيث يرفض تنوعهم ومطالبتهم بحكم ذاتي. تحدث عمليات تنصير، وقد ارتكب المسلمون في الماضي ارتكابات من هذا القبيل وقد أخطأوا في ذلك خطأ كبيراً. من هنا نحن بالإجمال ندعم هذا المشروع على أن يكون للأديان علاقات تعاون على تحصين الحضارة من مساوئها وعلى تغذية روح أخلاقية عالمية تجعل علاقات البشر قائمة على نظام مصالح عادل يلحظ بالقيم الأخلاقية قيم العدالة وقيم الإيثار وقيم المواساة.
إذا لاحظنا في هذا الإطار الفلسفة التي تخضع لها التجارة الدولية - اتفاقية الغات - نرى أنها تتيح للقادرين فقط أن يستحوذوا على قدرات العالم وإمكاناته. ولا تدع أي مجال للدول والشعوب غير القادرة، التي تملك مواد خاماً لتصنيع إنتاجها ولا تستطيع تصنيعها فتكون النتيجة أن تباع هذه المواد الخام بأبخس الأسعار. وتكون النتيجة زيادة ثروة الأقوياء وزيادة بؤس الفقراء.
* يبدو الحوار العقائدي بين المسيحيين والمسلمين عقيماً. لا منفعة منه، على الأقل في الإطار السياسي والاجتماعي الحالي. لا أحد مستعد لإعادة النظر في التعبير العقائدي الإيماني. هل توافقون على إقامة تحالف بين المؤمنين وغير المؤمنين من أجل إرساء الأسس الأولى لأخلاق كونية، لاسيما أنه لا سلام دينياً من دون حوار ديني؟
- أنا أستغرب هذه الملاحظة التي سمعتها من غيرك أيضاً، وبعض من يدَّعي العلم أيضاً قيلت عنه.
الحوار الإسلامي - المسيحي حقق في عصرنا أحد أعظم النجاحات في تاريخ البشرية.
تارة تفكرون بحوار إسلامي - مسيحي على مستوى ما أسميه حوار اللاهوت، وهو ما يبدو من عبارتكم أنه لا أحد مستعد لإعادة النظر في التعبير العقائدي والإيماني. نحن نقول إننا ضد الحوار اللاهوتي. أنا لا أوافق عليه، فهدف الحوار ليس أسلمة المسيحيين أو نصرنة المسلمين. هدفه ليس النظر في ألوهية المسيح أو نبوته. المسألة اللاهوتية متروكة لحوار جداً ضيق وخاص يتداوله أهل الاختصاص. في القرآن عقيدتنا موجودة نعبر عنها من خلال تلاوتنا القرآن، هذا القرآن مطروح يقرأه كل البشر. نحن والكنيسة لا أرى أن نتحاور في القضايا اللاهوتية. ليس ممنوعاً علينا هذا ولكن ليس مهماً الحوار حول القضايا اللاهوتية.
لاحظت في دراساتي حول الحوار الإسلامي - المسيحي أن هناك ثلاث صيغ للحوار وقد مررنا باثنتين منها وفشلنا، إحداهما حوار السيف، حوار القوة والحروب وقد قاتلونا وقاتلناهم ولم ننتج شيئاً.
وآخر حروبنا هي الحروب التي تجري الآن تحت ستار الصهيونية وهي الصليبية الجديدة التي سبقتها الصليبية القديمة. والمسلمون أيضاً حاربوا ولكن كانت في الواقع معظم حروبهم حروباً دفاعية. وإذا كان بعضهم قد وقع، ولا أستبعد أنه وقعت حروب توسعية في بعض المراحل وكانت حروباً ما كان ينبغي أن تقع.
حوار السيف نحن لا نوافق عليه بل نقف ضده. حوار اللاهوت ويتمثل الآن في حركة التبشير المسيحية الواسعة النطاق، نعتبره عملاً ليس حوارياً وإنما هو غزو ولنا موقف من التبشير. الإسلام أيضاً دين تبشير ولكن أحياناً أنا أجلس مع الكاهن لأحاوره في شأن الألوهة والمسيح وطبيعة المسيح، هذا بحث علمي.
نحن نعتمد في بناء حياتنا السياسية والاجتماعية والوطنية على ما نسميه حوار الحياة. توجد سورة في القرآن تضع حدوداً فاصلة (لكم دينكم ولي ديني، لا أعبد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد). ولكن نحن مثلاً في لبنان أو في الوطن العربي، نحن نعيش على أرض واحدة ونتنشق هواء واحداً إذا كان ملوثاً فيلوثنا جميعاً، نشرب من ينابيع واحدة ونسكن في مدن واحدة، ننتج اقتصاداً واحداً، نتبع لمعايير أمنية واحدة، لدينا مشروع دولة واحد.. نريد أن نتحاور ليكتشف بعضنا بعضاً ويقبل بعضنا بعضاً، نحن على هذه الأرض نملك إمكانات مشتركة، لنا حقوق متوازنة وعلينا واجبات متوازية يجب أن نحترمها جميعاً، وأن نتعاون في حقل الأخلاق على تطوير نظام أخلاقي يقوم على إيماننا المشترك، الإيمان الإبراهيمي.
في هذا المجال، في حوار الحياة أعتبر أننا حققنا أعظم النجاحات. في لبنان حققنا نجاحاً كبيراً وأعطينا معنى عميقاً لوجود لبنان ولحقيقة لبنان على مستوى عال.
على المستوى العالمي، نحن والكنيسة الآن، الإسلام والمسيحية يدخلان في اجتماعات وتجمعات وأبحاث وجهود مشتركة لتطوير فكرة العيش المشترك على صعيد عالمي، وأنا أستغرب من بعض أخواننا المثقفين الذين يقولون إن هذا الحوار عقيم.
تارة تريدون أن يصبح العالم مسيحياً أو مسلماً، نعم أنا أسلّم ولكن ليس هذا مقصودنا.
مقصودنا أني أقبل الإنسان المسيحي كمواطن كامل الحقوق وأن يقبلني بالمستوى نفسه، أن يقبلني الإنسان الغربي المسيحي أنا المسلم باعتباري كائناً بشرياً لي حقوق عليه أن يحترمها، أنا أريد أن أسكن معه وأطور حياة مشتركة معه انطلاقاً من أرضية قيم مشتركة بيننا. هذا الأمر أنا أعتقد أننا نجحنا فيه نجاحاً كبيراً والعالم الآن يشهد يقظة أخلاقية على مستوى الشعوب لعلها لم تكن موجودة في الماضي.
الآن قضايا حقوق الإنسان أصبحت جزءاً أساسياً في الثقافة العالمية، هي لا تحترم بسبب سطوة السياسات ولكنها من الناحية النظرية أصبحت عقيدة. في الماضي لم تكن كذلك. في الماضي كان يوجد في الإسلام فقط احترام لحقوق الإنسان الآخر، أما الآن أصبحت حقوق الإنسان عقيدة لا تحترم، فليكن ولكن في الماضي لم تكن عقيدة وهذه إحدى نتائج الحوار الإسلامي - المسيحي. طبعاً خيبات الأمل التي حدثت بعد الحربين العالميتين ساهمت في دفع الوعي البشري نحو اكتشاف هذه القيم الأخلاقية ولكن الحوار الإسلامي - المسيحي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية بشكل خاص قدم خدمات كبرى على هذا الصعيد. وأنا أعلق أمالاً كبيرة جداً في مستقبلنا على هذا الحوار الذي نعمل على تعميقه وتوسيعه.
فقولكم هل توافقون على إقامة تحالف بين المؤمنين وغير المؤمنين من أجل إرساء الأسس الأولى لأخلاق كونية. أقول نعم. نوافق على هذا ونعمل له.
* كيف تقرأون في القبلية الإتنية والطائفية التي ترافق العولمة. هناك من يخشى أن تحول هذه العولمة لما بعد الوطني إلى بلقنة معممة، فالأنترنيت مثلاً بدلاً من أن يقرب بين الناس ويزيل نزاعاتهم وخلافاتهم، يضاعف الأصوليات وهذيانات المتطرفين دينياً.
- أحد وجوه خشيتنا من العولمة أن العولمة على خلاف ما يتصور، هي ليست حركة توحيدية بل هي حركة تفتيتية. العولمة على مستوى الاقتصاد (وفي ذلك لديَّ بحث مفصل) العولمة هي الاستحواذ والاستيلاء وفقاً لمعادلات القوة وليس وفقاً لمعادلات العدالة.
تقول العولمة إن القوة الاقتصادية الموجودة في السوق هي حقيقة وضعية لا تخضع لمعايير أخلاقية وإن الأقوى هو الذي يسود، تريد أن تحسن حياتك إعمل جهدك، جهد دولة مغلوبة على أمرها، مجردة من أي جهاز تقني وفني مقابل الدول الصناعية الكبرى، فماذا تستطيع أن تفعل؟.. أن تعرض ماءها وترابها وهواءها ومعادنها للبيع والذي يسعِّر هو البورصات الموجودة في المراكز الصناعية الكبرى وهي عليها أن تقبل التسعيرة. وقد قيل لنا في إحدى الفترات لا تبيعون النفط، إشربوه إذاً. والعولمة في مجال الثقافة الآن تعني المسخ. أوروبا الغربية مذعورة من العولمة التي تعني بالنسبة إليهم الأمركة. العولمة بالنسبة إلينا في العالم العربي أو الإسلامي تعني التغريب. العولمة بالنسبة إلى المجتمعات الآسيوية الكبرى مثل الصين واليابان وما إليها تعني الاستلاب. أما العولمة على الصعيد السياسي والمجتمعي فتعني التفتيت، وتجزئة المجتمعات من الداخل. وهذا أعظم الأخطار التي تواجه الوحدات الوطنية والإقليمية.
ألفت النظر هنا إلى قانون الحقوق الأميركي الذي أعطى للولايات المتحدة حق التدخل في أي دولة في العالم تحت ستار الأقليات الدينية وحماية الأقليات الدينية. هذا يعني أن كل بدعة يمكن أن تكون مشكلة لمحيطها الوطني والقومي وأن تطالب بتشكيل كيان سياسي. كل جماعة اتباع مذهب، كل فئة ضالة تريد أن تنفصل عن مجتمعها وتضرّه تكون نظاماً وتقول إنها أقلية وتطالب بحقوق لها خاصة بها وحدها. إذاً فالعولمة تؤدي إلى إيجاد دولة هشة من الخارج لتؤمن استمرارها، وتقدم التنازلات لمراكز القوى الكبرى، وتمارس عمليات القمع في الداخل كي تضبط وحدتها.
من هنا نحن نرى أن العولمة تمثل خطراً على العالم وتزج به في أتون صراعات سياسية وعرقية ودينية لا نرى لها مدى.
وقد دعوت في هذه الدراسة التي حدثتكم عنها على خلاف من دعوا إلى محاربة العولمة، فأنا لا أدعو إلى محاربتها، وأخالف أيضاً من يدعون إلى الذوبان فيها، فقد دعوت إلى تطوير قدراتنا الداخلية لننشء عولمتنا الخاصة بنا ونتعامل مع التيار العولمي الآخر من موقع الاختيار والقوة وليس من موقع الرفض الأعمى أو القبول الأعمى. إذا رفضنا فلنرفض عن بصيرة وإذا قبلنا فلنقبل عن بصيرة واختيار.