أنت هنا

قراءة كتاب مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

كتاب " مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا " ، تأليف حسين نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

هذه الحروب بدأت بعقل ذكي شيطاني تصدَّر للخارج، ونحن الآن في العالم الثالث وما يسمى الحرب العالمية الثالثة هي لضمان استقرار ورخاء العالم الصناعي لأجل حجز الشعوب عن المطالبة بحقوقها وبالديمقراطية على المستوى الدولي، ولأجل تحطيم القدرة الاقتصادية ومحاولة وضع سياسات رشيدة للمواد الخام. والآن أنتم تعلمون ما هو حال أثمن المواد الخام في الكون وليس في الكرة الأرضية فقط، وهو النفط: أصبح سلعة من أرخص السلع.

* القيم التي تنادي بها الأديان في سبيل احترام الإنسان قد سُخر بها حتى من قبل الذين يدافعون عنها. وهذا ما حدا البعض على المناداة بأخلاق علمانية، عقلية في سياق الديمقراطية الحديثة، بحيث يحيا كل واحد قناعاته الأخلاقية ضمن احترام الآخر. فالمناقشة التي احتدمت في لبنان حول الزواج المدني تعبِّر عن هذا التشنج الذي يكتنف المجتمع اللبناني وتعبِّر أيضاً عن عطوبية التيار الأخلاقي المتزمت السائد في الأوساط الدينية المسيحية والإسلامية؟

- سنأتي إلى حكاية الزواج المدني. نحن نوافق على هذه المقولة وعلى مقولة علمانية عقلية وعلى مقولة أخلاق يعيشها كل واحد وفقاً لقيمه الخاصة. أما أخلاق علمانية، الأخلاق لابد لها من أساس. أي نظام أخلاقي لابد له من نظام فلسفي. والأخلاق هي عمل طوعي، فأنت الآن تجلس معي وتتحدث معي وأنت آمن نتيجة لالتزام طوعي مني بأن تكون في سلام. الأخلاق لا تفرض من فوق بل هي التزام داخلي يضمنه القانون وينظمه. ما هو الأساس الفلسفي لما نسميه أخلاقاً علمانية.

أنا بالمعنى العلماني الوضعي لا أرى أن هناك أخلاقاً بل ضرورات تحكم الناس لئلا يفترس بعضهم بعضاً. أما أخلاق بمعنى أن يحترم الناس بعضهم بعضاً ويبرّ بعضهم بعضاً ويحسن بعضهم إلى بعض. فأقول إن العلمانية ليست منشأ لهكذا أخلاق وإنما الإيمان الديني هو الذي يضمن أخلاقاً من هذا القبيل، أخلاق التضحية، أخلاق المواساة، أخلاق الإيثار.. هذه لا يمكن أن تكون أية فلسفة منتجة لها غير الإيمان الديني. من هنا، أنا لا أوافق على حكاية أنه يمكن أن توجد أخلاق علمانية. يوجد نظام تعايش علماني، نعم. يوجد نظام قانوني علماني، نعم. أما أخلاق علمانية فالعلمانية شيء والأخلاق شيء آخر، العلمانية عادة تنتج صراعاً أو تنتج معاهدات توازن قوى. أما أن يقال أن يتمتع إنسان ضعيف في العلمانية بالحماية والحصانة والعدالة من دولة قوية من دون مردود فلا أصدق ذلك. إن شعباً ضعيفاً يملك ثروات يتمتع بالحماية والحصانة والعدالة من دولة قوية من دون مردود فهذا أمر لا يصدق، وتاريخ البشرية كله شاهد على دحض هذه النظرية.

* لماذا هذه النظرة المتعالية تجاه الفكر العلماني، ما هي مواقع الخلل في هذا الفكر الذي أنتج قيم الديمقراطية ووظف العقل في خدمة التقدم الإنساني.. هل لأن هذا الفكر يعمل وفق منهجية جدلية اجتهادية لا تؤمن بالثوابت ولا تلتزم بالمطلق؟

- لماذا ننتمي لهذا النظام، ما الذي يجعلني أحترمك من دون إلزام داخلي عندي ومن دون مصلحة. فالإنسان يعيش إما في نظام مصالح أو في نظام قيم، والقيم تشمل الأمانة والعفة والوفاء والإيثار، والقيم قد تتطور بمعنى أنها تقوى وتزداد ولا تتقلص. وعلى كل، في الحياة الدولية نحن حتى الآن لا نرى نظام قيم، نرى كلام قيم، أما نظام قيم يحترم.. فلينفذوا قرارات الأمم المتحدة كخطوة أولى. فلنتكلم «واقع» نحن الآن أمام عالم بلغ في نضجه وفي تطوير فكره القيمي أعلى درجة. يوجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، توجد المواثيق الدولية. في المقابل يوجد سكان العالم 80% من خيرات الطبيعة ومن الإنتاج البشري ويوجد فيه 80% من سكان العالم يبقى لهم فقط 20% من ثروة العالم. يوجد طريقة تعامل مع الطبيعة وصلت إلى ثقب طبقة الأوزون وغيرت التوازن الحيوي وتركيب الطبيعة، من الذي ارتكب هذا، هل هو الدين. إنه الفكر العلماني المادي البراغماتي الذي قام عليه الفكر الغربي والحضارة الغربية.

يوجد الآن على الأقل عشرون حرباً في العالم لايد لأهلها فيها على الاطلاق وإنما تحريكات القوى الكبرى لأجل السيطرة على موارد المياه والغابات والمعادن والبحار.

وبالتالي لا يوجد نظام علماني، العلمانية انتجت خراب العالم، لذلك لا مناص للناس من أن يرجعوا إلى نظام قيم قائم على الإيمان الديني، نظام القيم يجب أن يكون نابعاً من التزام داخلي، هذا الأخير يجب أن يكون مربوطاً بالإيمان، وما لم يكن مرتبطاً بالإيمان لا يوجد حرام. توجد كلمة لأحد الفلاسفة يقول فيها «إذا لم يكن الله موجوداً فكل شيء حلال» فما الذي يمنعني من الافتراس؟

والافتراس الموجود مع وجود الله أقل بمئات المرات من الافتراس الموجود مع عدم وجود الله.

نحن نتكلم عن نظام قيم. لا يوجد نظام قيم علمانية بل نظام توازن قوى في الفكر العلماني، توازن رعب في الفكر العلماني، لذلك أقول إن العالم بحاجة إلى استعادة النقاوة الأخلاقية القائمة على الإيمان، إلى إعادة الحيوية للقيم القائمة على الإيمان وتحصينها بالتنظيم المجتمعي الحديث، بما أنتجه فكر الأمم المتحدة، بالمواثيق الدولية التي تحترم حقوق الإنسان والفرد والأسرة والطبيعة..

قبل سنين قليلة عقد لأول مرة المؤتمر الذي سمِّي قمة الأرض في البرازيل حول التلوث البيئي واستهلاك الطبيعة، تبرأت الدول الكبرى التي دمرت العالم خصوصاً الولايات المتحدة ووضعت المسؤولية على المساكين دول العالم الثالث وطالبتها بأن تنفق من فقرها لأجل تصحيح اختلال التوازن البيئي.

نأتي الآن إلى حكاية الزواج المدني.

أولاً: هو ليس زواجاً مدنياً، هو نظام مدني للأحوال الشخصية، هو لا يختص بالزواج فقط بل يشمل كل تركيب العائلة: تكوينها واستمرارها وانحلالها بالموت أو الطلاق أو الفراق.

نحن كان موقفنا من الزواج المدني عادلاً إذ إننا لم نعارضه لا أنا ولا البطرك صفير ولا المفتي قباني. نحن لم نعارض مبدأ الزواج المدني ويوجد اليوم في لبنان الكثيرون ممن كوَّنوا أسراً قائمة على عقد زواج مدني. نحن عارضنا فرض القانون المدني للأحوال الشخصية على من لا يؤمنون به. قيل إنه قانون اختياري للأحوال الشخصية أنا لا أفهم «قانون اختياري» فالقانون عادة ملزم، أما قانون اختياري فهذا مخالف لروح القانون. إجعلوه قانوناً إلزامياً لمن يؤمنون به أي أن يصرح رجل وامرأة بأنهما لا يؤمنان لا بإسلام ولا بالمسيحية ويجردان أنفسهما من الإسلام والمسيحية ويقولان إنهما طائفة ثالثة طائفة الدولة فلا مانع من أن يكون لهما قانون مدني.

فالإسلام يفرض في تكوين الأسرة جزءاً من اعتقاداته الشرعية التي تقوم على مواضعات خاصة، فإذا كان الإنسان لا يريد هذه المواضعات الخاصة، فهو يخرج على الإسلام. وليقل عن نفسه إنه غير مسلم وليفعل ما يشاء مما هو خارج الإسلام. أما أن يقول أنا مسلم ولا يعترف بالإسلام ويريد للإسلام أن يعترف له بفكر آخر يتنافى مع الإسلام، فهذا ظلم.

أن لا تعترف بي وتطلب مني أن اعترف بشرعيتك.. أنشئ شرعيتك الخاصة فاعترف لك بها. أما أن تجعل شرعيتك الخاصة جزءاً من شرعيتي فأنا لا أوافق. ولذلك لا أرى أن هناك أي ضير في موقفنا من المشروع الذي أعدَّ للزواج المدني.

سأضرب مثلاً موازياً لهذا. حينما اتخذت الدولة الفرنسية موقفاً ضد حجاب الفتيات في مدارسها. إنه قمع لأنهم يريدون أن يفرضوا على الناس شيئاً لا يتناسب مع عقائدهم (هؤلاء الناس). أنا أقول إن نظامي يقول إن الأسرة تتكون وفقاً لهذا المنظور، أن يقال نحن نجعل نظاماً آخر اختيارياً، هذا ما لا أفهمه، فالقانون قانون اجباري وملزم، هو يلزم من يؤمنون به.

الصفحات