أنت هنا

قراءة كتاب صناعة شهود الزور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صناعة شهود الزور

صناعة شهود الزور

كتاب " صناعة شهود الزور " ، تأليف نضال حمادة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

هذه الأسباب جعلت فرنسا مركزاً أساسياً وهاماً لعمل الموساد خصوصاً أن الاعتراف الفرنسي المبكر بمنظمة التحرير الفلسطينية جعل الكثيرين من مسؤولي المنظمة يترددون على باريس التي تحولت بفعل هذه الأمور إلى مركز عملياتي هام لأجهزة الموساد التي نفذت فيها أكثر من عملية اغتيال، كان آخرها عملية اغتيال عاطف بسيسو المسؤول عن الارتباط بين أمن المنظمة وأجهزة المخابرات الغربية. وبالفعل كانت عملية اغتيال بسيسو النقطة التي فاض من جرّائها الكوب الفرنسي، لذلك ردت أجهزة الأمن الفرنسية على الموساد عبر كشف جهاز التنصت الذي وضعه المدعو عدنان ياسين في كرسي محمود عباس في مكتبه بتونس. إنَّ ياسين يحمل صفة رئيس شعبة في سفارة دولة فلسطين في تونس، وهو من وضع أجهزة تنصت بعد تزويده بها؛ وكانت بطارية الجهاز من النوع المتطور، وهي صالحة للعمل مدة خمس سنوات. لقد كان الجهاز مثبتاً باتجاه محطة استقبال مزروعة في الأراضي التونسية، كما أن جهاز الإضاءة الذي كان موضوعاً داخل مكتب محمود عباس كان يحتوي على جهاز تنصت يتم تعبئة بطاريته بشكل أوتوماتيكي عن طريق توصيلة الكهرباء في المكتب (21).

يقول (ايف بونيه) المدير السابق لجهاز مكافحة التجسس في فرنسا (دي أس تي) إنَّ آخر عهد للموساد الإسرائيلي بتنفيذ الاغتيالات في فرنسا كانت عملية اغتيال عاطف بسيسو في الثامن من شهر حزيران عام 1992 أمام فندق الميريديان في الدائرة 14 في العاصمة الفرنسيةباريس. ويؤكد بونيه أنه هو الذي أبلغ الإسرائيليين أن فرنسا لم تعد تتحمل، ولن تقبل بعد الآن أية عملية اغتيال فوق أراضيها. وهذا التحذير لم يزل سارياً حتى اليوم (22).

غير أن توقف الموساد عن الاغتيالات في فرنسا لم يمنعه من الاستمرار في العمل الاستخباري واللوجيستي اعتماداً على الجالية اليهودية الكبيرة والنافذة في بلاد الفرنسيس (23)، وقد ازدادت أهمية باريس بالنسبة للموساد بعيد اجتياح لبنان وظهور حزب الله على الساحة كقوة أساس على صعيد المقاومة، استطاعت عبر سنوات طويلة من القتال تحرير لبنان وطرد الجيش الإسرائيلي منه. وتكمن أهمية باريس هنا كون لبنان بلداً (فرانكوفونياً) فيه الكثير من اللبنانيين المعارضين لحزب الله، كما يوجد فيه طائفة كبيرة من الشيعة الذين يقومون بإرسال أولادهم إلى فرنسا لتحصيل التعليم الجامعي، وذلك بسبب مجانية التعليم في فرنسا وبسبب الظروف الصعبة للشيعة نظراً للحروب التي طالت مناطقهم خلال العقود الماضية.

إذن، عادت باريس لتكون محطة أمنية للموساد الذي ينشط فيها بشكل كبير، خصوصاً بالنسبة إلى اللبنانيين، وهذا كما ذكرنا يتعلق بصراع إسرائيل المرير مع حزب الله (24).

يقول مسؤول أمني فرنسي سابق إنَّ جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الملقب (موساد) عمل بفعالية مميزة خلال العقود الماضية مستفيداً من وجود اليهود العرب الذين أتوا إلى الدولة العبرية من الدول العربية. هؤلاء اليهود يتكلمون اللغة العربية ويجيدون مختلف اللهجات في البلدان العربية، فضلاً عن أشكالهم الشرقية وطباعهم التي حملوها من العالم العربي. غير أن هذا الجيل غاب في غالبيته عن الحياة فيما بلغ من تبقّى منه من العمر عتيا، وأصبح خارج أي إمكانية للعمل الاستخباراتي. لذلك فإن هذا الجيل منح جهاز (الموساد) والأجهزة الأمنية الإسرائيلية الأخرى ميزة التواجد الأمن والخفي والمندمج في المجتمعات العربية، وساهم في تفوق العمل الأمني الإسرائيلي على العرب طيلة العقود الخمسة الماضية. غير أن الحال تبدلت منذ عدة سنوات وأصبح جهاز الموساد بحاجة إلى مدد بشري لم ينفك يتناقص بفعل الموت والهرم. ولم يكن هناك مفر من البحث عن عملاء في الدول العربية خارج البيئة اليهودية؛ مضيفاً أن العمل ضمن البيئة البشرية الأخرى جعل إمكانية الاختراق عبر عملاء مزدوجين كبيرة، وزاد من احتمال تفكيك الشبكات الإسرائيلية وانهيارها، نظراً لغياب العوامل الأيديولوجية والرابط القومي والديني بين الموساد وعملائه الجدد، واقتصار العلاقة بين الطرفين على الحاجة المادية للعملاء في أكثر الأحيان (25).

هذا النقص البشري على صعيد اليهود العرب جعل أجهزة الموساد تنتقل عملياً وبشكل شبه كامل إلى اراضي الخصم، وهنا تكمن أهمية فرنسا والجالية اللبنانية فيها، نظراً لأن الخصم اللدود لإسرائيل خلال الثلاثين سنة الماضية هو حزب الله اللبناني، ولأنَّ اللبنانيين بشكل عام يتكلمون الفرنسية، ويترددون إلى فرنسا بحيث أنَّ مئات آلاف اللبنانيين يحملون جنسيات فرنسية. وقد استفاد الموساد الإسرائيلي من الانقسام الداخلي اللبناني ليدخل على خط خصوم حزب الله في الخارج كما في الداخل.

في قضية اغتيال المبحوح استعمل الموساد ثلاثة جوازات سفر فرنسية مزورة (26)، هنا يعقب (ايف بونيه) قائلاً: ليس هناك قرار سياسي بمعاقبة الموساد على هذا العمل.

قد يكون الأمر صحيحاً طالما أنَّ الموساد يحترم التزاماته بعدم القيام بعمليات اغتيال في فرنسا، وما عدا ذلك، فكل شيء ممكن بدءاً من التجسس على اللبنانيين حتى التجنيد. يقول أكاديمي عربي يعمل في مجال العلوم السياسية إن وجود غالبية جنود لحد السابقين في فرنسا نقطة تحتسب لصالح الموساد في فرنسا، كما وأنَّ وجود عائلة انطوان لحد الحاملة للجنسية الفرنسية وغيرها من عائلات العملاء، ومن العملاء أنفسهم دليل كبير على النفوذ الاستخباري الإسرائيلي في فرنسا (27).

وفي هذا الخصوص كانت سنوات شيراك الأخيرة نقطة ارتكاز أساسية لدخول الموساد مباشرة على خط المقيمين في فرنسا من اللبنانيين المعارضين لسوريا والمنادين بخصومة حزب الله ونزع سلاحه، ومن هنا كانت تدار عملية شهود الزور والتلفيقات والحملات الإعلامية، فضلاً عن التحضيرات لكل القرارات التي اتخذها مجلس الأمن بخصوص لبنان بدءاً بالقرار 1559 حتى القرارت ذات الصلة باغتيال الحريري والمحكمة الدولية.

الصفحات