كتاب " بونا هكتور " ، تأليف جورج فرشخ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب بونا هكتور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بونا هكتور
كان اللقاء بين الخوريين الشابين هكتور و اميل مؤثرًا. وكان مفيدًا، وشكل منعطفًا في حياة الاثنين معًا. سأله البونا هكتور عن طبيعة نشاطه. أسهب الخوري اميل في شكر المطران زيادة ، الذي أخذه على عاتقه، والذي يرشده، ويدربه، ويكل إليه مهمات دقيقة. استمع البونا هكتور باهتمام، وأثنى على همّة المطران زيادة ، خصوصًا وأنه يعرفه شخصيًا، وتتلمذ على يده. وصمت. ثم غرز عينيه بعيني صديقه الذي يطفح وجهه فرحًا وبشرًا لوجوده إلى جانبه، وقال له بصوت تغيّر لشدّة ما حمّله من جديّة وإصرار.
البونا هكتور: مكاننا في زغرتا. زغرتا بحاجة إلينا أكثر من أي رعية أخرى. يجب أن نذهب معًا إلى زغرتا. هناك حقل عملنا. هناك نبث روح المحبة المسيحية، ونقاوم رغبات الثأر الدموي، ونزرع الفرح وحب الحياة. أهلنا في زغرتا يستحقون منا أن نبذل جهودنا في سبيل إخراجهم من أزمتهم الرهيبة. دورنا أن نحاول إبعاد شبح الموت المسيطر على أذهان الجميع، وعلى أفكارهم ونيَّاتهم. يجب كسر هذه الحلقة، والقضاء على الدائرة الفارغة الفاسدة. زغرتا اليوم غير زغرتا التاريخ. زغرتا اليوم زغرتا البكاء والنحيب، والقتل والثأر والندب الكئيب، أو الهجرة وفراق الأحبة، هربًا من هذا الوضع الذي لا يطاق. عندنا مشاريع كثيرة لزغرتا...
الخوري اميل ، مقاطعًا بحماسة: أنا معك. أنا خلفك. تقول: إلى زغرتا، إلى زغرتا، أهلنا أحق بنا من غيرهم. ونحن أعرف بهم من غيرنا.
هذا كل ما كان البونا هكتور يريد أن يسمعه. بعد قليل، ودّع صديقه بالحرارة التي استقبله بها، وإلى البرج ليركب "بوسطة الأرز" إلى طرابلس، ومنها بالسرفيس إلى زغرتا. أصر السائق على ألا يأخذ ربع ليرة، أجرة النقلة عادة، رمى البونا هكتور بنصف ليرة، وأدار ظهره، وهو يتمتم ويجمجم. للمرة الثانية "يعملونها" به. يتظاهر السائق بأنه لا يريد أن يقبل منه الأجرة، وغالبًا ما يكون صادقًا بعدم قبول الأجرة. البونا هكتور لا يشكك بما في الصدور. لكن الخوري يأبى إلا أن يدفع، فيضطر إلى ترك نصف ليرة أو ليرة، إذا لم يكن معه قطع معدنية بالربع. لن يعملوها به مرة ثانية. سيتزود بقطع الأرباع على شهر. ولكن من أين يأتي بالأرباع، والصينية يوم الأحد ليس فيها إلا فرنكات؟
الخوري اميل : خرج البونا هكتور من هذا الباب، وتوجهت من الباب الثاني إلى مكتب المطران زيادة . شجّعني كثيرًا على الذهاب إلى زغرتا، وأكّد لي صواب فكرة البونا هكتور، وأن إهدن-زغرتا بحاجة إلى شباب من أمثالنا أكثر من أي رعية مارونية أخرى. ثم أبدى استعداده لتقديم النصيحة والمشورة، أو أي خدمة نطلبها منه. وانتهى بأن أعطاني حريتي. في اليوم التالي كنت في زغرتا. مضيفي في رعية بيروت، الخوري يوحنا كوكباني ، الذي جئت أشكره على استضافتي، أثنى على الفكرة، دون أن يتردّد في التعبير عن بعض المخاوف من تعقيداتها وصعوباتها، ووعد بأن يرافقنا دائمًا في صلواته.
فوجيء الخوري بولس حين رأى ابنه حاملاً أمتعته كلها، وانشغل باله: "المهم ألا تكون اختلفت مع المطران، ولا مع الخوري يوحنا كوكباني؟" بادره بالقول قبل أن يرحب به، ويعبّر عن سروره بمشاهدته.
الخوري اميل : فرح كثيرًا لما عرف السبب، وأفهمني أن بوسعنا الاعتماد عليه. وبعاطفته الأبوية الملجومة، ومعرفته بأوضاع الرعية، وبأجواء الكهنة القائمين على العناية بها، لم يستبعد أن تقع خلافات وتباينات في وجهات النظر، بيننا وبين الخوارنة المتزوجين، والذين تقدمت بهم السن على نهج معين في العمل الرعوي.
الخوري بولس : لا تستغشموهم، ولا تقلّلوا من أهمية عملهم. هؤلاء عجنوا الدهر وعصروه، وأكلوا مرّه وشربوا خلّه. هؤلاء فضلهم كبير على الضيعة كلها. هم حفظوا خميرة الإيمان في إهدن-زغرتا، يوم لم يكن أحد يلتفت إليها. يوم تخلّت عنها الطائفة والكنيسة. ويوم كنتم، أنتم بالذات، تتابعون دروسكم، بعيدين عن عمليات القتل بالجملة وبالمفرق، كانوا يتحمّلون المسؤولية بحكمة ونبل. طبعًا، على طريقتهم. وبمستوى علمهم ومعرفتهم. ولن يغيروا في آخر العمر. انتبهوا". كما أنهم لن يسمحوا لكاهنين شابين بأن يتأمّرا عليهم، ولا أن يأخذهما الغرور ويعلماهم كيف يعرّفون، ويناولون، ويقدّسون، ويجنزون، إلى آخر الزياحات، والتساعيات، والصيامات، والأخويات، "التي حفظوها عن ظهر قلب قبل أن تولدا".
أصغى الخوري اميل إلى والده بانتباه. إنه أخبر الناس بأحوال إهدن-زغرتا الروحية، والمادية، والمدنية، وأكثرهم غيرة على ابنه، وتحذيره ليس لتخويفه، ولا لحمله على تغيير رأيه. بالعكس، القصد أن يعرف الابن الحبيب ما ينتظره من الكهنة، وكيف سيكون الامر مع المدنيين؟
لم ينصدم الخوري اميل . كان يعرف، أو بالأحرى، كان يخمّن أن رعية إهدن-زغرتا ليست سهلة. ولكن إلى هذا الحد؟ ستبدأ المشاكل والمتاعب مع الكهنة؟ لم يتراجع، إنما كبح تفاؤله. سيبدأ العمل بمواجهة مع الكهنة، وقد تتحوّل إلى معركة. إذن، لن تنتهي المعارك في إهدن-زغرتا؟ لم تعد هذه تقاليد، ولا عادات، ولا عرف، ولا طبع، ولا ثقافة. هذا انحراف. هذا إرث جيني فيه زغل، يأخذونه مع الدم الحامي. يرضعونه مع حليب السباع.
وهذا الخوري الشاب العائد من باريس ومن روما بشهادة دكتورا يريد أن يغير التقاليد، ويطهّر الثقافة، ويبرّد الدم، ويعقم الحليب، وينهي عهدًا من البطولات المعكوسة، ويشيع الفرح والأمل وحب الحياة، ويوقظ الشباب على ثقافة السلام، وسعة الصدر، والنقاش. والإبداع؟
هذا ليس برنامح عمل، ولا مشروع حياة. هذه هستيريا. هذا هذيان. ويعجز عن تنفيذه جيش من المتطوعين الذين تخلّوا عن أنانياتهم، وألقوا بها في البحر...