كتاب " بونا هكتور " ، تأليف جورج فرشخ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب بونا هكتور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بونا هكتور
بيت عمه لم يكونوا مجبورين به. عملوا حسب معرفتهم، وحسب محبتهم، التي كانت كبيرة جدًا. لكنها لم تكن كافية ليعاقبوه عند اللزوم، دون أن يشعروا بالذنب. يذكر أنه شاهد عمه يؤدّب ابنه أكثر من مرة "بحيّال" من توت، في موسم القز، و"بسيكون" (15). ولا يذكر أنه ضربه مرة واحدة. كما أنه لم يتفوّه أبدًا امامه بكلمات ثأر، وقتل، وانتقام، وشرف... أولاد الحي الأكبر والأصغر منه، لو كانوا مكلفين بأن يشرحوا له، وينخروا رأسه بتكرار تلك اللازمة، لما فعلوا بالإصرار الذي برهنوا عنه، مكررين أنهم يعرفون أنه سينتقم لشرف العائلة، ويقتل أكثر من شاب ورجل، أخذًا بالثأر. لم يكن يعرف معنى كلمة ثأر. تطوّعوا كلهم كي يشرحوا له بالتفصيل، مع الحرص والاصرار على الفخر، والرجولة في ارتكاب هذا الواجب. كان في نظرهم فرضًا مقدسًا، لا يتقدم عليه أمر آخر. وينتقدون عمّه لأنه يتغافل عن هذا الواجب المقدس.
لا يذكر متى أحسّ أنه غريب في بيته؟ أنه في بيت مستعار. صحيح أنه بيت عمّه. إنه أعز من بيته، لكنه ليس بيته. الشفقة لا تربي الأطفال بل تسيء إليهم. وإذا كانت تسعفهم بأن يحافظوا على تماسكهم، فإنها قد تساهم في عطب شخصياتهم.
"لم يندهش أحد أن يلاحظ أنه يشبه والده، الذي كان جميل القوام وضّاح المحيا. لكنه لم يرث عنه لباقته وكياسته الأسطوريتين. الموت عمل من الأب ملاكًا، بينما كان الولد، في نظرهم، جهم الخلق، جافي الكلام، عاتبًا على الله لأنه لم يخلقه قبل أبيه، ليتولى الدفاع عنه. أو لأنه خلقه بلا أب ولا أم ولا أخ. مقطوع من صخرة. أو من شجرة. أو من عامود كهرباء للتوتر العالي.
قال لي ذات يوم إنه سمع امرأة عمه تهمس همسًا وبالسر، إلى صديقة لها عادت من الغربة، بكلمة لم يكن يعرف معناها.
اليتيم: لا أذكر السنة. قالت إنني نحس. ماذا تعني كلمة نحس؟ لم أسأل امرأة عمي ولا صديقتها. ومرة أخرى، تطوّع أصحابي ليشرحوا ويفسروا لي. لم يقلها عمي أبدًا. كان فعلًا يعطف عليّ ويحضنني. لم تقلّ عنه زوجته اهتمامًا بي. غير أن اهتمامها كان يثير فيَّ شعورًا ملتبسًا. كنت أحسّ أنها تودّ أو تفضّل ألا تقترب مني، وأن تمنع أولادها من اللعب معي. كنت ألاحظ أنها تجرّهم دائمًا بعيدًا دون أن تقول كلمة واحدة. يعودون فلا تصرّ على صرفهم عني. كانت تساويني بابنها الثاني الذي يجايلني.
"أحاول أن أتذكر إذا كانت تعمّدت أن تسقط كلمتها في أذني، أو إذا كانت سبقتها وأفلتت منها. قالت لصديقتها إن وجهي نحس على العائلة كلها. فنّدت لها إنجازاتي النحسيّة: قتل والدي يوم دخلت والدتي الحامل بي في شهرها التاسع. وتوفيت والدتي وأنا رضيع، وتبعتها جدتي، والدتها، بعد شهرين، وصُرف عمي من عمله يوم ضمّني إلى أولاده. كيف يمكن أن يكون في الكون إنسان أنحس مني؟
"رجال عائلتنا كانوا دائمًا غاضبين. مجرّد ظهوري أمامهم كان يضاعف غيظهم. في البداية، لم أكن أفهم السبب، وحين فهمت كانت الإساءة قد وقعت. كانوا يعبّرون عن غضبهم وشفقتهم بصوت عال يخيفني. كنت أحرد وأغتاظ وأرفض أن أقترب منهم، ولا أسمح لهم بأن يقبّلوني أو يداعبوني. ولازمتني هذه العادة حتى عندما كبرت فابتعدوا عني، وترسّخت عندهم فكرة أنني نحس ناحس منحوس. وحباني الله بتكشيرة تبعد أصحاب النيات الحسنة.
"وكأن هذا كله لم يكفِ، فأرسل لي الله هذا الخوري الذي لم أفهم عليه. وهو أيضًا كان يرفع صوته، لكن ليس عليّ. طوّلت حتى فهمت أنه كان ينهي الآخرين عن مضايقتي، وعن إصرارهم عليّ كي أقبله وأبوس يده".
أعتقد أن البونا هكتور أدرك بفطنته أن مزيارة برمجت عددًا من الشباب للقتل، وشراء الدم بالدم. وساهم رجال، عن علم أو عن جهل، بترسيخ تلك البرمجة، معززينها بقيمة مضافة، زاعمين أنها قيمة أخلاقية. النساء امتنعن عن الحث على العنف. كثيرات منهن أعلنّ أن العنف يستولد العنف، دون أن يعيد الأحباء الذين ذهبوا. بالعكس، سيدمّر الباقين. مصير القاتل السجن، أو السفر، أو القبر. وهذا ليس حلًا لمشاكل اليتامى، والثكالى، والأرامل. هذا باب مفتوح على جحيم لا تخمد نارها.
اليتيم: البونا هكتور يزعم أن الحل بالمغفرة، بالتسامح. أنا لم أفهم مغزى هذا الكلام عندما كان البونا هكتور يقوله بصوته الجهوري، علمًا أن الناس يقولون لي إنني نضجت بسرعة، قبل أن أكبر. خاطبهم، مرة، كأنه يشتمهم ويهددهم قائلًا: "ماذا فعلتم برجالكم؟ بشبابكم؟ بمستقبلكم؟ "ماذا فعلتم