كتاب " الحب فوق سطح مرمرة " ، تأليف مها عبود باعشن ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
بقلم: محمد البعلبكي
نقيب الصحافة اللبنانية
أنت هنا
قراءة كتاب الحب فوق سطح مرمرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الحب فوق سطح مرمرة
ولقد كانت تربطهم علاقة صداقة مع عائلة مقربة جداً منهم تدعى بعائلة د.ضياء فخري. هذه العائلة لها ابنة تدعى إنجي وهي في مثل عمر ابنتهما روجين، وكانت صديقة لها منذ الطفولة.
كانت الأم ربة منزل، أما د. ضياء فكان أستاذاً جامعياً، وكاتباً صحافياً في جريدة محلية، وبعد عدة سنوات جاءته فرصة عمل كمحاضر جامعي متخصص في علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في فرنسا، فقرر السفر مع عائلته إلى هناك. لكن هذا لم يمنع التواصل في ما بينهم فكانوا يزورون بعضهم بعضاً، ويمضون أوقاتاً جميلة.
وكثيراً ما كانت روجين منذ صغرها تذهب إلى الدراسة الصيفية في فرنسا، وهذا ما منحها عالماً واسعاً من الأصدقاء من مختلف الأجناس والديانات. أما صديقتها إنجي، فكانت تحب المجيء في فصل الشتاء خصوصاً لزيارة مدينة بورصا.
عندما استقرّ الأهل في مدينة باريس كان الوضع جديداً عليهم، والحياة هناك مختلفة، لكنهم تأقلموا وسكنوا في مبنى مؤلف من خمس طبقات في منطقة سان جرمان. وفي الليلة الثانية لهم في منزلهم الجديد، وفي حوالى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، فجأة شعر الأب بدوار وتعب، ولم تعرف الزوجة من شدة الخوف على زوجها كيف تتصرف؛ فهم حديثو العيش في فرنسا، فاستنجدت بجيران لهم في الطبقة ذاتها، وطلبت المساعدة، فبادروا إلى حمل الزوج إلى المستشفى، وبعد أن اطمأنوا على صحته وتأكدوا بأنه تعب عارض، عادوا جميعاً إلى المنزل.
لم تكن عائلة د. ضياء تعرف شيئاً عن جيرانها، لكن اتضح لهم فيما بعد أن جيرانهم هم عائلة فرنسية من أصول إسرائيلية تدعي عائلة د. جيراد بن يمين، ولديها ابنة واحده تدعي راحيل.
لقد كانت علاقتهم مع جميع جيرانهم جيدة، وكذلك مع د.جيراد الذي كان يعمل طبيباً نفسياً مثقفاً، ومهتماً بالقراءة في كتب التاريخ والأديان، وله مبدأ ينتهجه في حياته ويعلمه لابنته، وهو أن جميع الرسالات السماوية والرسل، منزلون ومرسلون بأمر من الله؛ فعلينا التعايش مع بعضنا بعضاً من دون عنصرية؛ فالإنسانية ليست حصراً في دين واحد أو جنس واحد، أو عرق واحد.
ومع مرور الأيام.. ازدادت روابط الصداقة بين عائلة د.ضياء، وعائلة د.جيراد وأصبح الجميع يتشاركون في فكر واحد وهو، أن الدين ليس عائقاً أمام التعارف والتعايش والتسامح والمحبة الخالصة لله.
هذه الأواصر التى قامت بين الأسرتين، جعلتهما يبنيان صداقة فيتبادلون اللقاءات مع أسرة زاهر سليمان كلما جاؤوا إلى فرنسا لزيارة عائلة د.ضياء. وفي المقابل، زارت أسرة د.جيراد أسرة زاهر سليمان في اسطنبول أكثر من مرة. وهذا التواصل عمل على تقوية علاقات الصداقة بين روجين وإنجي وراحيل منذ الصغر.
مرت عدة سنوات، وفي عام 2009م حدث القصف الصهيوني على مدينة غزة، واستنكر هذا الهجوم كل محبي الإنسانية والسلام في العالم. وبالمصادفة كانت روجين أثناء ذلك في فرنسا، في زيارة إلى عائلة د.ضياء. وعند المساء التأم الشّمل لمتابعة الأخبار، وكذلك حضرت عائلة د. جيراد الذي استنكر هذا الهجوم بشدة، وقال: على الرغم من حبي لبلدي إسرائيل إلا أني لا أريد أن تحدث هذه الحروب والهجمات، أتمنى إنهاء الحرب على هذه الأرض لأن من حق الجميع العيش بأمن وسلام. فأنا لا أحب القهر والظلم. لا أحب قتل الأبرياء، ولا أحب مشاهدة دموع الأطفال وصرخات الرعب..
فشاركه الجميع رأيه هذا... ثم أضاف: أريد أن أحكي لكم قصة قديمة.
في إحدى زياراتي العملية إلى تل أبيب، وبعد أن أمضيت بعض الوقت في منزل أهلي للاطمئنان عليهم، تعمدت أن آخذ ابنتي البالغة من العمر عشر سنوات، وتجولت وإيّاها في شوارع يافا وغزة، ثم دخلنا إحدى المستشفيات، فوجدت رجلاً في عمرالسبعينيات تقريباً، قد أنهكه التعب والمرض، فاقتربت منه وسألته: كم عمرك؟
فرد بحسرة: اثنتا عشرة سنة.
فسمعت صوت راحيل وهي تردد: اثنتا عشرة سنة!! كيف؟