أنت هنا

قراءة كتاب السيف والرصاص

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السيف والرصاص

السيف والرصاص

كتاب " السيف والرصاص " ، تأليف أبو العباس برحايل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

الفصل الأول

أجلّ كتاب قرأته في السجن ـ بعد القرآن ـ أثناء محكوميتي وأصدقه في تصوير حالي هو كتاب البؤساء لفيكتور هيغو؛ قرأته خمس مرات، في كل عام مرة تقريباً، في كل مرة أتوهم فيه أني أنا هو جان فلجان بطل هذا الكتاب، ومصيره هو مصيري، مع فارق جوهري، وهو أن جان فلجان ارتكب جرائمه من حيث أراد أن يسدي الجميل ويقوم بعمل البر والخير والإحسان في سبيل المقهورين.. أما أنا فقد عوقبت عن جريمة لم أرتكبها أصلاً، أو بتعبير أدق عن فعل لم أعترف قط بأنه فعل يصنف في خانة الإجرام.. أن تبيت مع امرأة، وبدعوة منها، وحتى ومن غير إجراء أي تحقيق خبرة حول ما دار بينك وبين تلك المرأة.. كان الاتهام قائماً على المقولة المأثورة: لا يجتمع رجل إلى امرأة إلا ويكون ثالثهما الشيطان..

رفضت بصفة قطعية تكليف محام للدفاع عني، لقد بدا لي أن التهمة هيِّنة وسخيفة من أساسها، فإذا كنا نعيش في مجتمع يحتكم إلى القوانين المدنية فلا جريمة هناك. وإذا كنا نحيا في بيئة دينية، فللشريعة أيضاً مقتضيات.. ومهما كان الأمر، فإن أركان الجريمة حين ترتكب، تتطلب من القضاة الجادين وفق الشريعة أن يأتوا بالبراهين الدامغة.. بأربعة شهود أو بالقرائن المتأتية من الخبرة العلمية.. أن يحاكم امرؤ على فعل لم يثبت، أو على الأقل لا يلحق الضرر بأحد، وقد يحقق سعادة بكيفية ما، لفرد أو فردين من أفراد المجتمع من دون أن يتأذى أحد بلقائهما، مثل هذه المحاكمة هي الجرم في ذاته.. سيقال فوراً هذا دفاع بائس ومخز عن إبليس راعي الزنى والزناة.. إن مِدية المجتمع عندنا حادة..

كانت الحيثيات التي استند إليها القضاة أثناء محاكمتي واهية لا تصمد أمام العقل، لكن أين هو العقل في مجتمع تحكمه خارقات الأوهام، وترهات عبثية مع محيطه الطبيعي؟.. وتتحكم في سلوكه وقائع الحياة اليومية الانفعالية الآنية التي لا تلبث أن تذهب مع الزبد؟.. هل كان سبب الحكم بإدانتي مصرع أخي عزوز.. هل كنت السبب في مصرع أخي عزوز حقاً؟.. آه يا عزوز.. يا أخي الكريم المفدى.. كم كنتَ قاسياً على نفسك عندما خرجت في تلك العاصفة القاتلة تسعى ورائي كي لا أجتمع بحياة.. لتمنع لقائي بحياة؟. كم كنت ناصع الذيل، ناصع اليد، ناصع القلب واللسان، صريحاً كالسيف، كتوماً كأقفال الصقيع في القطب المتجمد.. ولكن ماذا جنيت من طهرك الملائكي غير أن الكلاب نتشت جثمانك الطهور، ونهشته في غسق الليل المطير، بعد أن جندلك غصن اللوزة الصاعق أو صرعتك رصاصات غادرة مواربة؟..

كلما تذكرت مصرعك العاتي، فاض الدمع من عيني وشرد بلا إرادة مني، لِمَ يا أخي أردت أن تقف سداً في مجرى الحياة؟. قد أكون السبب غير المباشر في مصرعك، ولكن السبب المباشر والدقيق فيك.. في داخلك أنت بالذات.. لِمَ قتلوك؟.. لكنهم أصروا على أن مصرعك كان بسببي.. لقد اقتفيت أثري.. وجدوا جثمانك الذي مزقته الكلاب المسعورة عند أقـدام جريمتي الحالقة، المزعومة أو الفعلية لا يهم.. مؤسسات المجتمع عليها أن تحكم وفق قواعد من اليقين لا الظن ولا التخمين.. العـلاقة غير الشرعية بحياة والاتصال بها بقصد اقتراف المحرمات؛ جريمة الزنى المتخيلة، أقول المتخيلة لأنْ لا دليل، ولا أنفي التهمة في ذاتها.. ومتى؟.. عشية دفن أخت.. اقتراف جريمة الزنى في ليلة مأتمية.. هذه الحيثية وحدها كافية لتجريمي والحكم عليّ بتلك السنين العجاف من الحبس..

ليس هذا فحسب، ولكن أين كانت زوجك نوارة ساعة ارتكابك لجريمتك غير الأخلاقية المنافية لكل رجولة وشهامة وعرف؟.. كانت في عيادة الولادة فاقدة لوعيها من جراء العملية القيصرية التي أجريت لها لإنقاذ روحها من هلاك محقق.. أنت تعلم أن ولادتها عسيرة، وكان ينبغي لك أن ترابط لدى باب غرفة العمليات، تستقصي أخبارها، وتتابع بلهفة وحرص مراحل وضعها لو كنت حقاً زوجاً مسؤولاً مثل سائر الأزواج.. لكنك أنت كنت فظاً، قاسي الطبع، غليظ القلب، لا تستحق السجن مع الأشغال الشاقة فحسب، بل تستحق الإعدام شنقاً..

هذه بعض التهم التي كان وكيل النيابة يعصف بها في وجهي، ويسوقها تسويغاً لما سيقترحه من عقوبة في حماس مصطنع فياض، كما لو كان العفاف إلهه، أو إحقاق الحق دينه، أو نزاهة القضاء ديدنه، إذن لكنت رضخت واعترفت، فالحق أحق أن يتبع.. لكن أمارات الشر السبع كانت بادية على وجهه الحالك الناقم، وهو والعدل في طلاق بائن.. إنه إذا استندنا إلى سيماه المكفهر مجرد مجرم، وهو الأولى بالمحاكمة!..

الصفحات