أنت هنا

قراءة كتاب ماذا فعلت بأطفالك يا أبي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ماذا فعلت بأطفالك يا أبي

ماذا فعلت بأطفالك يا أبي

كتاب " ماذا فعل بأطفالك يا أبي " ، تأليف عزة آغا ملك ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدنة الكتاب:
لقد تمت كتابة هذه الرواية بالتواطؤ
مع إيريك

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

1

كم كان الطقس جميلاً ونضراً ذاك الصباح من شهر آب حين أيقظتنا أمنا من نومنا باكراً، أنا وأختي الصغيرة! لم أكن أعرف حينذاك أنه سيكون صباح مفاجأة مفعماً بأحداث غير متوقعة و... بمغامرات محفوفة بالمخاطر. كانت الشمس تبزغ خلف الجبل وهي تسقط أشعتها الذهبية الضاربة إلى الحمرة، كشعر أمي، فتنعكس، أي تلك الأشعة على أوراق الأشجار المثمرة وهي تحمل، بزهو، ثمارها البالغة النضج، وقد كللتها قطرات الندى الصباحية. نسمة عذبة دافئة امتزجت بأبخرة مالحة دغدغت أنفي الذي لم يصحّ بعد. في سفح الهضبة، حيث انتصب منزلنا الأبيض، انبسط البحر وامتد. إنه المتوسط الذي نرتاده، طوال العطلة الصيفية وقد حُرمنا منه تلك السنة لأسباب لا يمكن البوح بها كونها تكاد تُخجِلُ.

كانت الأمواج تتدافع على الشاطئ الرملي وتتكسر كأنها حرير أبيض. خُيل إليِّ أنها تبتسم لي وهي تغلفني بحبيباتها السائلة؛ وكما فعل دائماً معي، بحري الأبيض المتوسط العذب.

حديقتنا هذا الصيف تحفة رائعة.

أغصان شجرة الأكدنيا الفتية تنحني من ثقل ثمارها البرتقالية، وقد نضجت. إنها شجرتي أنا؛ وثمارها لي. أختي لا تحب الأكدنيا. ولا يطيب لها مذاقها. أما أنا، فأحبها؛ مثلك، يا أبي!كان لها دائماً بالنسبة لكلينا، أنا وأنت مذاق خاص، طعم نادر، مخملي، حلو، غريب... وبمجمل القول إنه طعم لم أكن أجده في أية فاكهة أخرى. كان زهر هذه الشجرة ذا جمال عظيم تلك السنة، لكم وددت أن تكون هناك لتتأمل معي تطورها الفتان.

لكنتَ عشقتها.

تسلقت جذع شجرتي الملتوي بينما ارتفع صوت أمي من داخل البيت:

"يا أولاد! هيا! تعالوا بسرعة!".

كانت تصرخ عالياً بصوتها الضعيف.

وتستحثنا،

لأن علينا أن نرحل، يا أبي!

أجل، أن نرحل ! بعيداً عن هنا، بعيداً عنك.

لكن صدى صوتها العذب قد تلاشى على الغصن المرن الذي كنت أحاول أن أمتطيه والذي كان ينحني برشاقة تحت الخمسة والعشرين كيلو من وزني كطفل طويل القامة ونحيف.

تسمرت على أعلى غصن، وقد فُتنتُ بكل تلك الثمار، وبكل ذلك البهاء، وقد سددت أذنيَّ عن نداءات أمي المتكررة. لم أكن أريد ترك هذا المكان الرائع، ترك شجرتي، قبل أن آخذ الكمية اللازمة لمذاقي و... لحنيني.

حين سنصل إلى هناك، إلى تلك القارة الموعودة، لا شك أنه سيجتاحني هذا المرض العضال المسمى بالحنين!

ثمار الأكدنيا! (1)

فاكهتي... وقد أصبحت مستديرة كالخذاريف!

تركتها تنضج هذا العام على "أمها" الشجرة. لقد كان بعض منها لا يزال أخضر، وهي ستنضج بعد رحيلنا،

حين نكون قد غادرنا بلدك، يا أبي.

لاشك أن غيابنا وكذلك الشوق سيُلاحظان حتماً، لأنه لا أحد قد يأتي ليقطف الثمار التي ستتكوم على الأرض.

أما أنا، فلن أكون هنا لجمعها.

وكذلك أنت!

قطفت عشر حبات من الأكدنيا ودسستها في جيبي بعد أن أكلت واحدة، صفراء جداً، ومستديرة تماماً، كأنها البدر.

كانت متعة في مذاقها لا توازيها أية متعة أخرى.

كان نسيجها رقيقاً لكنه متماسك،

أما طعمها فسكري عذب،

ولبها دهني بشكل كبير وقد غلفتها قشرة تذوب رقة.

كم استمتعت بها وأنا أفكر فيك، يا أبي، أنت الذي تحب مثلي، هذه الثمرة الرائعة.

الصفحات