في هذه الرواية تقدم الكاتبة عالم الطفولة وعالم المرأة من خلال طرح شخصيتها على محك السرد واستدعاء شخصية أمها (قسامي) وجعلها في كثير من أجزاء الرواية الشخصية الرئيسية طارحة الرؤى الكثيرة في الحياة بأسلوب غير وعظي، إنما بأسلوب سير الحياة بصورة طبيعية، ومن خلال
أنت هنا
قراءة كتاب قسامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فراغ فوق فراغ تحت فراغ وسط فراغ.. فراغ فراغ فراغ إلى ما لا نهاية ووصلت إلى ما لا نهاية ومازال الفراغ فارغاً وأنا لا أحب الرياضيات فعجزت عن تفسير المسألة أو حساب المسألة.. فراغ رأسي يطير وينقلب ويتدحرج ويفرغ ويتفرغ هنا وهناك في سماء يجهل كنهها يبدو سعيداً مبتهجاً كما لو أنه يؤدي عروضاً بهلوانية أثيرية وهذا كلما دغدغه كسل الطفولة وكلما فاجأته طزاجة الذكريات اليانعة، ولكنه فجأة توقف بجبينه الغائر المحفور وأخذ يهتز بعنف فجائي كما لو أنه يمر بمنطقة مطبّات هوائية.
غادرت البهجة، تبخرت النشوى لتحلَّ محلهما الدهشة والإستفهام؟!.
أنفي مفصول عن جبيني ومنطقياً آنذاك أني لا أشم لكن من أين لي كما تقول التقاطات ذاكرتي بمنطق غير مشطور.. منطقياً لا يوجد انـتصاف..السّـكين شطـّــار مائل.. الذي ضاجعنا هو المنطق.. أما الجنون فأضحكَ عـلينا الوجوم الأبله..!!.
أيعقل أن تأسرنا الحيرة وندمن التساؤل إلى الحد الذي تتكلس فيه كرامتنا ويفرض فيه البحث عن اللا جواب وجوده الصامت.. أحقاً لا نملك سوى الدوران في عجلة التبلد؟!.
بت لا أطيق البحث في دروب المتاهة عن كبة ندثر بها عورة جليدنا!
سنستحلب معاً قسوة الصحراء إلى متى سيظل هذا الهتاف الأخرس مدمدماً؟!
إننا نعيش على أمل سحائب الجفون أن تنعش الأفئدة العجاف؟!
الخراطيم مقلصة والصنابير ظامئة والحيتان فاغرة أفواهها.. وغابات الصبّار تستنزف الطاقات بالرغم من أجسادنا النازة بعرق الانكماش ولسع السياط العالق بنا كذرات رمال متصمغة إلا أن الشفاه والأهداب تتحدى النواجذ الزعاف.. صمت مخجل يخيم على أجوائنا أهي الرغبة عن اللا جواب، ذاكرتي تسوح كبقعة زيت طافية تردم شاطئ أساي المتورم بذريراتها الذارفة، البحر يلفظها هناك حيث اشتممت بذاكرة الماضي رائحة طازجة، ليس بخور والدتي قسامي ولا سخاب جدتي الفزانية ولا زهر جدي الفيتوري ولا جاوي سيدي عبد السلام ولا صابون السوسي الذي تستعمله جدّاتنا في غسل ملابسهن النظيفة أصلاً، ولا المروّن الذي تبلل به أمي شعرها، الرائحة ليست لقفة عمتي التي تأتينا بها من البر محملة بخيرات الله، ولا رائحة عطر "البروت" الممتزجة بدخان الروثمان التي تفوح دائماً من حضور أبي، ولم تكن الرائحة للسجائر المعمرة بالكيف التي يدخنها المراهقون تحت نافذة بيتي المستأجر بالصابري، ليست للمفرقعات والقومّات التي يشعلها التائهون تعبيراً عن احتفالهم بعيد المولد النبوي، الرائحة ليست لبحر الصابري ولا لعجاج سيدي المهدي، ليست كرائحة المعقّمات، إنها رائحة شياط الفجيعة المنبعثة من الجثث متفسخة الهوية والحلم، حللتها ذاكرتي عبر وشائم الوجع النازف وصرخات الفجائع المدبوغة على جبل من الضحايا بمذابح سجون العالم التي اشتمت ذاكرتي الماضية قذارة فعل يلازم هول ماحدث لكنه يعجز عن التطاير والطيران مع المتشظيات السابحة في ملكوتات طاهرة متجددة كموج البحر الحي، خلف كل حياة حيوات حتي وإن لم تكن جديدة فحتماً ليست كالتي عشناها.
أحاول أن أكتب عن لوحة فراغ شيئاً لكني عاجزة، لا تريد أن تنطبق لأرى الملامح بوضوح وأكتب عنها، أرسمها وتتمرد علي، لم أرفع نصف الوجه العلوي عن السفلي، لقد طار لوحده، استطعت فقط أن أضبطه، أن أوقفه لحظة قبل رحيله في عالم الحكايات، أوقفه كي أراه، يمكنني ملء المسافة الفاصلة، أمزّق الفراغ الذي بين النصفين، أحرقه بمشاعري وأحاسيسي، لو تركته يغيب عن ناظري ويحلق خارج الورقة سينبثق الدم من رقبتي كنافورة وأنا لا أريد أن أكتب بالحبر الأحمر الذي لم أستخدمه قط حتى وأنا أصحح كراسات مهجة وجبير وكل تلميذاتي، لوحتي أحبها وهي من ألهمتني كتابة هذا النص الذي منحته اسم أمي التي فقدتها وأنا في سن صغيرة، المرحومة قسامي: