أنت هنا

قراءة كتاب قسامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قسامي

قسامي

في هذه الرواية تقدم الكاتبة عالم الطفولة وعالم المرأة من خلال طرح شخصيتها على محك السرد واستدعاء شخصية أمها (قسامي) وجعلها في كثير من أجزاء الرواية الشخصية الرئيسية طارحة الرؤى الكثيرة في الحياة بأسلوب غير وعظي، إنما بأسلوب سير الحياة بصورة طبيعية، ومن خلال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

نازفة جراح قلبي
المروج وحدها توآزرني في النفخ ببوحي الوحيد
العالم يتفرج بكل صفاقة
رباه.. كيف للجرح أن يلتئم؟
أين الزنار؟ أين الزنار؟ أين الأين؟
هل انتظر حتى اغتصب على مرأى من الشمس؟!
فراغ فراغ فراغ يلف برأسي فوق دلتا النيل هناك بأم الدنيا حيث استحمت نفرتيتي بضوءالشمس بعد أن دلكت جسدها الناعم بحليب الآتان وغطت في نوم عميق قرب كوبرا الكبرياء الملفوفة بالسلة مخضبة الحواف.. غطّت وغطّت وما ضرها الفحيح.. رقدت بسلام ونامت نومتها الأبدية بشموخ مجيد كما شموخ أبي الهول الجليل.. وراء كل عظمة وشموخ انسحاق وألم.. أجساد تنز عرقاً.. عظاماً تنكسر وسرعان ما تعاود الشغل دونما جبيرة من أجل شظف العيش الذي أجبرني على الكتابة الآن ورأسي منفصل عن جسدي وأجبركم على القراءة لترحلوا بدوركم إلى واقع مرير! الأطفال تنسحق أجمل سني عمرهم يئنون تحت سياط الحياة التي لن ترحم براءتهم البكر.. صودرت أحلامهم.. حرموا ممارسة حقوقهم بكل تبجح وعنجهية حتي في ذرف دموعهم وهي كل مايملكون.. مرَّ رأسي الذي ليس بدائخ بأطفال يحملون أرغفة العيش في سفر كبيرة تتمايل رؤوسهم ذات اليمين وذات الشمال تفوح في أنوفهم روائح العيش الذي يسيّل لعابهم.. يتذمرون جوعا فستبتر أيديهم إذا ماحاولوا أن يتذوقوه.. عجباً يا قلب يحمل الرغيف على رأسه و لا يأكل منه.. حتى الطير حرم من الأكل منه.. في الواقع والأحلام.. أطفال يدفعون الإطارات الثقيلة بأجسادهم البضة النحيلة والكبار يشفطون النارجيلا.. أصابعهم ذاوية.. أراهم في التلفاز الآن.. في الهند وباكستان منهمكين في لظم العقيق واللؤلؤ وطرزه وتثبيته في أقمشة الحرير وفساتين البذخ.. في المحاكم تزوّر أعمار الصغيرات.. يحدث ذلك في معظم الأرياف وفي حاضرة بعض البلدان.. تباع ليست نخاسة بل من أبوين شرعيين من أجل البقاء في غابة البشر.. يزج بها في الحوانيت والخانات لتبدأ رحلة الضياع وتصرف عليها سنتات قليلة لإسكات صرخة جوع وخّاز والباقي يتنعم به مدير حانة البغاء وشركائه في غض النظر والكتمان.. يعقدون مع الأهالي عقود صفقات تباع فيها الكلى وما أمكن من أعضاء إزاء مبالغ لا تسمن ولا تغني من جوع.. أنا في الهند في بنغلاديش في العراق في المغرب في مصر في في في آه .. بل خسئت يا قلمي.. أنا قريب من الوطن الآن.. أنا في الوطن الآن.
فراغ فراغ فراغ.. يهبط رأسي ويدور أشعر بتضاؤل نسبة الأوكسجين لحد الانعدام، إنها الخفافيش تتجمهر في هالة سوداء هاربة من صوت ورائحة الديناميت لنهب قلب البسيطة وإن كانت في كل مرة تزداد عروق الأرض قوة فتصبح قدرتها أكثر كفاءة من ذي قبل على ضخ دماء العطاء أينما طار رأسي.. أينما تدحرج.. أينما انقلب.. يرتطم بخيالات أطفال ترتسم على السحب.. أطفال مشردين جائعين مرضى مبتزين جهلي لم يواصلوا تعليمهم.. إما للفاقة والقهر والمعاناة وإما لأنهم عانوا من ويلات الحرب أو ماندعوه غضب الطبيعة من فيضانات وزلازل وبراكين.. رأسي يحلق.. يدور.. يتدحرج.. هاهم يستلمون الروبيات ويشربون نخب عودة ابنهم سالماً ومع الجدة يودعونه بعد أن استلموا المبلغ ليحسن من وضع الأسرة مقابل غياب ابنهم ثلاث سنوات قد يرجع خائباً وقد يضيع بين الشواطئ وقد تغرقه أمواج السماء.. هذا إن لم يغرق ويكون لقمة سائغة ووجبة سهلة لحوت البحر.. أراهم يتوشحون سواد الليالي الحالكة ويرتدون قروصة البرد مفترشين القليل من التفل المخلوط بالقواقع الملتصقة بالطحالب ومتوسدين كومات من بلح البحر مبللين ريقهم بالماء المتقاطر من صناديق الثلج التي تحفظ فيها الأسماك.. أرى أكفهم وبواطن أرجلهم وقد نخرها السوس.. لكن قلبهم لا يعض.. لا سوس نخره.. حتى سوس الأحلام ابتعد عن نبضه البرئ الطازج على الدوام.. حتى سوس السفر والطيران.. انطلق أربعتنا في سيارة أجرة إلى مطار بنينة، ثلة من الأصدقاء الكتاب والصحافيين ينتظرون المتأخرين هناك لنطير جميعنا إلى طرابلس ومنها براً إلى بلدة الرجبان للمشاركة في الاحتفالية الخاصة بذكريى الشاعر الراحل الجيلاني طريبشان.

الصفحات