في هذه الرواية تقدم الكاتبة عالم الطفولة وعالم المرأة من خلال طرح شخصيتها على محك السرد واستدعاء شخصية أمها (قسامي) وجعلها في كثير من أجزاء الرواية الشخصية الرئيسية طارحة الرؤى الكثيرة في الحياة بأسلوب غير وعظي، إنما بأسلوب سير الحياة بصورة طبيعية، ومن خلال
أنت هنا
قراءة كتاب قسامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ولتتواصل قراءتي للنص إلى قراءتي له هو شخصياً حتى أني صرخت في المدرسة في لحظة جنون بغرفة الكونترول: "جيبولي الأصفر".
و جاء حبيبي سريعاً وتزوجنا سريعاً ليواصل نصوصه حتى نهايتها لتبدأ مشاريع قصص وروايات جديدة لا تنتهي ولا تبدأ إلا بي أي بنا جميعاً.
- "يعني يا أمّولة طلعلك محمد وعلي قولتك حمادة في قنان السعد". قنان السعد هذا الذي دوخني، قنان السعد يا صديقتي إلهام، قنان خبز لذيذ ساخن، كنا نتنافس على أكله والنوم باكراً لنحلم بالسعد بعد أن تعجنه عمتي "حدود" بحفنة دقيق مع حفنة ملح وتقرصه أقراصاً صغيرة تسمي القنان وتخبزه أخيراً في التنور بعد الانتهاء من خبز "خبزة التنور الكبيرة المفلطحة".
الوحيدة التي كنا نتوسل إليها أن تعجنه هي "عمتي حدود" لأن عمرها تجاوز الخمسين ويزيد.. فقنان السعد لا تعجنه إلا من انقطع حيضها للأبد.. قبل النوم أقضم قضمة من قنان سعدي المالح ولا أشرب الماء بعده وأضعه تحت وسادتي ثم أهجع للنوم على أن لا أكلم أحداً.. فمن شدة العطش سأحلم بالماء ومن يسقيني بمنامي فهو سعدي:
"ياملح يامليح
وريني سعدي
وين إيطيح"
"ياملح يلي ذريراتك حب
زعما سعدي وين إيطب"
الملح ذكرني بالقصة التي لا أملها وأتلهف لسماعها من جدتي في ليالي الشتاء الباردة قرب موقد الفحم ورائحة الشاي بالزعتر والنعناع المخلوط بالبردقوش، كنا نتزاحم على احتضانها وننصت إليها في شغف منسجمين مع حركات يديها وإيماءات رأسها والمسح على ثديها أو مسك أحدهما إشارة للأمومة والحنان مع تغير نبرة صوتها صعوداً وهبوطاً همساً وجهراً غناءً وإنشاداً، ألماً وفرحةً، تتقمص الشخصية كما لو كانت هي ذاتها، هذا الملح الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بطفولتي، بسبخة السلماني وراس عبيده، بملحة العيد، بملح كركورة، بخرافة عيشة "بنت البر" التي افترقت عن زوجها الذي ذهب للحج وعاد محملاً لها بالهدايا ليجد المكان خاوياً على عروشه فقد تعرضت هي وقبيلتها للغزو فمات منهم من مات والذين نجوا تفرقت بهم السبل لكن زوجها لم ييأس وهام ليس على وجهه بل مجتهداً باحثاً عنها، يطوف القري ويخترق النجوع بأتانه المحملة بالأقمشة والمرايا والقلاّمات والمشابك والعطور وكل مستلزمات النساء في ذاك الزمان من أمشاط.. خلله.. أحزمة.. رقاع.. عباريق.. خواتم.. دبالج.. خراص.. صوالح.. خلاخيل وهلله.. وينادي على عيوشته في كل نجع يدخله وكلما تحولقن حول حمارته النسوة يتفقدن بضاعته وكلما سألته إحدى النسوة عن ثمن شيء مما يعرضه للبيع
- بيش
يجيبها "بضحكة" حتي يتحقق ما أد كانت عيشوشته بسنها البارقة الملبسة بالذهب..
ويستمر منادياً بصوته الغارق في الأسي والشجن:
"ياملح ياملاح
ريتش من الناس الملاح
ريتش بنت تلتهب
سنها تبترق
منها ريت عجب
فرقت مني في الظلام
ما وادعتني بالسلام"