أنت هنا

قراءة كتاب من زوايا أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من زوايا أخرى

من زوايا أخرى

هذه مجموعة من مقالات فواز طرابلسي في السفير خلال السنتين المنصرمتين. لقد أراد لها أن تكون رؤية للأحداث "من زوايا أخرى" غير تلك التي تقدمت بها من أطراف النظام والطبقة السياسية اللبنانية أو من مراكز القرار الدولي أو الحكّام.

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

المسكوت عنه في قانون الانتخاب

أثار مشروع القانون الذي تقدمت به «الهيئة الوطنية» الخاصة بقانون الانتخابات مروحة واسعة من النقاشات واستدعى الكثير من الانتقادات. لم أكن لأقحم نفسي في النقاش والنقد لولا أن موضوعاً على قدر من الأهمية قد غاب عنها جميعاً. فقد ظل المشروع، ومعه المدافعون والمناقشون والنقاد على حد سواء، ساكتين عن المسكوت عنه طويلاً في الحياة السياسية اللبنانية، أعني التناقض الفاضح والمتنامي بين قوانين الانتخاب المتعاقبة وبين التطورات السكانية والاجتماعية التي شهدها لبنان خلال الحروب الأخيرة بل خلال عقود سبقتها.
أبرز تلك التطورات هو طبعاً الهجرة الريفية إلى المدن. إن نظرة إلى العلاقة بين الإقامة والتمثيل السياسي في لبنان ترينا أن ما لا يقل عن ثلاثة أرباع اللبنانيين يسكنون ويعملون في المدن فيما ثلاثة أرباع اللبنانيين ما زالوا يقترعون في الأرياف حيث لا يسكنون ولا هم يعملون. بل إن الجيل الجديد اقترع أو هو سوف يقترع في قرى وبلدات لم يولد حتى آباؤهم فيها. الأجداد يتحكّمون بالأحفاد.
يشكّل هذا التناقض، على ما أزعم، مصدر الفَوَات الأخطر في النظام الانتخابي وأبرز صدع في صفته التمثيلية. وهو ينطبق على الناخبين كما على النواب الذين لا يعكسون بدورهم الحراك السكاني للمجتمع اللبناني. ولا عجب أن تكون «الهيئة الوطنية» قد أغفلت هذا الموضوع الحساس والمهم في آن، وهي التي فصّلت القانون على مقاس الطوائف ومطالبها من أجل الملاءمة بين الدائرة الفردية أو الصغرى، أو الدائرة الكبرى (المحافظة) أو بين النظام الأكثري والنظام النسبي. ناهيك عن أن «الهيئة» وقعتْ فريسة الوهم الشائع الذي ينزّه التمثيل النيابي عن «المصالح» على اعتبار أن النائب يمثل «الأمة جمعاء». ببساطة، النائب في النظام الديموقراطي يمثل ناخبيه، مصالحهم والمخاوف والتطلّعات، بعَجْرها وبَجْرها، ينتخبه المواطنون على اعتبار أنه يتعهد العمل على هديها وعلى هذا الأساس يحاسبونه.
لماذا نولي هذه الأولوية للتناقض بين الإقامة وبين الحقوق السياسية الانتخابية؟ تحديداً لأن أكثرية من اللبنانيين يقترعون في القرى والبلدات لمخاتير ورؤساء وأعضاء مجالس بلدية ونواب لا يُتوقع تمثيلهم لمصالحهم. وهم، في المدن حيث يسكنون ويعملون، تحكمهم بلديات يدفعون لها الرسوم والضرائب ولا رأي لهم في تركيبها ولا سياساتها ولا الخدمات ولا رقابة لهم عليها. وفي المدن ذاتها، «ينوب» عنهم نواب لا يد لهم في اختيارهم وبالتالي لا تأثير لهم ولا رقابة لهم عليهم لأنهم ليسوا من ناخبيهم.
هكذا، ما يجمعه السكن والعمل والمهنة والجوار لا يلبث أن يفرّقه النظام الانتخابي. وإن هذا الترييف القسري في النظام الانتخابي يعيد إنتاج الوظيفة البطريركية للسياسة إذ يعيد ربط الفرد بالعائلة والمنطقة والطائفة. ويخطئ من يظن أن الطائفية في النظام الانتخابي كامنة في توازُع المقاعد النيابية فقط، إنما هي كامنة في تلك الآلية الجهنمية التي تعيد ترييف اللبنانيين من أجل تزييف تمثيلهم. ونعني بالنظام الطائفي تعيين اللبنانيين بهوية واحدة وحيدة هي هويتهم الطائفية، ناظمةً لأحوالهم الشخصية وإطاراً شبه وحيد لتحصيل حقوقهم السياسية والاجتماعية وشبكة لتوزيع العمالة والوظائف كما لتوازُع خدمات الدولة والدخل الأهلي أفقياً وعموديا. بهذا المعنى ليس النظام الطائفي أمراً مضافاً على قانون الانتخاب ليحظى باقتراح صيغة لتمثيل من تسميهم «الهيئة الوطنية» «اللبنانين الذين لا يرغبون بالانتماء إلى طائفة دينية معينة» بل إنه محرّك التشغيل الرئيسي فيه.
في خلاصة القول إن المدخل إلى الإصلاح الانتخابي هو توطين حقوق اللبنانيين السياسية، وفي المقدمة منها حقوقهم الانتخابية، في أماكن سكنهم وعملهم. سوف يقال إن هذا قد يؤدي إلى اضطراب شديد في الهويات المذهبية أو حتى الطائفية للمدن اللبنانية. لسنا بغافلين عن هذا. يمكن منح حقوق الاقتراع للمقيمين (من اللبنانيين طبعاً) في الانتخابات الاختيارية والبلدية في أماكن إقامتهم، واعتماد لبنان دائرة واحدة في الانتخابات النيابية. ليس هذا الاقتراح كمالية من الكماليات. بل بالعكس: من دونه لا تكتسب العملية الانتخابية الحد الأدنى من صفتها التمثيلية للبنانيين الحقيقيين.
5/7/2006

الصفحات