هذه مجموعة من مقالات فواز طرابلسي في السفير خلال السنتين المنصرمتين. لقد أراد لها أن تكون رؤية للأحداث "من زوايا أخرى" غير تلك التي تقدمت بها من أطراف النظام والطبقة السياسية اللبنانية أو من مراكز القرار الدولي أو الحكّام.
أنت هنا
قراءة كتاب من زوايا أخرى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

من زوايا أخرى
«الشرق الأوسط الجديد»أخبرونا، ما الجديد؟
كلما وجدت الولايات المتحدة نفسها في ورطة، تُقدِم على تغيير اسم المنطقة!
لن أقف طويلاً أمام الدلالة المرعبة للتلاعب بالهوية القومية للمنطقة بواسطة التسميات المتقلبة تقلب الرؤى والخطط الجيو ستراتيجية للدول الأوروبية والأميركية تجاه هذا الجزء من العالم، ولكن يقتضي الأمر التذكير ببعض تلك المحطات.
فمع بداية الحرب الباردة، تحوّلنا من «شرق أدنى» إلى «شرق أوسط» لكي يجري استيعاب تركيا وإيران وباكستان في الأحلاف المعادية للاتحاد السوفياتي، وكان أبرزها وأقصرها عمراً حلف بغداد. ثم تراجعت التسمية الجيو ستراتيجية مع صعود حركة التحرر العربية التي فرضت تسمية «العالم العربي» على العالم أجمع اسماً للمشرق والمغرب العربيين معاً. على أن نهاية الحرب الباردة أعادت فرض تسمية «الشرق الأوسط» وبُذلت جهود حثيثة، ولا تزال تبذل، لتعميد المنطقة «منطقة مينا» أي «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» بديلاً من «العالم العربي». فإذا سُئلتَ عن هويتك من الآن فصاعداً، فلا تنسَ أن تقول «إني ميناوي» بدلاً من عربي. ومع انتهاء الحرب الباردة ومطالع مشاريع الحلول السلمية للنزاع الإسرائيلي العربي، لاحت بشائر «الشرق الأوسط الجديد»، تتوسطه إسرائيل وعليه تهيمن، كما بشّر به شيمون بيريز في كتابه بالعنوان ذاته. ولكن ما إن وضعت حرب أفغانستان أوزارها في أعقاب 11 أيلول 2001، وتمّ احتلال العراق، حتى أسقطت «الجِدّة» عن شرقنا الأوسط لصالح «المساحة» فإذا نحن قد فزنا بــــ«الشرق الأوسط الأوسع» أو «الأكبر» ليشمل إلى بلدان الجامعة العربية وإسرائيل كلاً من باكستان وأفغانستان.
مشكلة هذه التسميات المتسارعة والمتقلبة أنها ما إن نعتاد على أن نتسمى بواحدة منها حتى يكون صاحب التسمية قد استبدلها بأخرى، فيتبدى كل «شرق أوسط» على أنه أكثر خواءً وتضليلاً من «الشرق الأوسط» الموصوف والمنعوت الذي سبقه! فما هي إلا سنوات قليلة على «الاتساع» حتى عدنا إلى «الجدّة» فتمخّض العدوان الإسرائيلي على لبنان بقيادة الولايات المتحدة عن «شرق أوسط جديد» مرة جديدة، رمتنا به الآنسة كوندليسا رايس في الأيام الأخيرة. فما الجِدّة في هذا الجديد؟
هل من «جديد» في عملية السلام في فلسطين غير دفنها، مع إعادة احتلال معظم أجزاء الضفة الغربية ووأد أي أمل في دولة فلسطينية ورفض البحث في الانسحاب من الجولان؟
وما «الجديد» في العراق؟ غير السير المتسارع نحو الاحتراب الأهلي الذي يرمي يومياً من القتلى أكثر مما يرميه يوم من القتل الإسرائيلي للبنانيين؟ وحيث تغذي الولايات المتحدة الانشقاقات والنزاعات الاثنية والمذهبية سنداً لاستمرار احتلال لم تعد تعرف كيف تخرج منه أو كيف ولماذا تبقي عليه.
وما «الجديد» في ميدان نشر الديموقراطية؟ «الجديد» هو أن الولايات المتحدة قضت حتى على ادعائها نشر ديموقراطية لم تنشرها قط. إذ لم تكتف برفض الاعتراف بفوز حركة حماس في الانتخابات النيابية الفلسطينية، بل غطّت العمليات العسكرية الإسرائيلية الرامية إلى معاقبة الشعب الفلسطيني جماعياً على اختياره الديموقراطي في انتخابات حرة ومتنازع عليها وبإشراف دولي! وهل من «جديد» آخر، في هذا المضمار، غير التغطية على مهزلة الانتخابات الرئاسية المصرية، وما تلاها من مبايعة رئاسية في اليمن تستبق الانتخابات وتنوب عنها. وأما «الجديد» الدائم في نهج الولايات المتحدة فهو عقد الصفقات مع أنظمة دكتاتورية وسلالية نفطية استبدادية تخاف شعوبها وتستمد شرعيتها من الخارج وتستمرئ تقديم التنازلات لهذا الخارج في الميادين الوطنية والقومية والاقتصادية ودوماً على حساب شعوبها.
ولكن، بلى يوجد جديد. الجديد الفعلي في هذا «الشرق أوسط» هو تمكّن قوتين شعبيتين من التأشير إلى إمكانيات جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي. فعندما يعترف إيهود أولمرت، ولو بشيء من المبالغة، بأن مليون ونصف مليون إسرائيلي قابعون في الملاجئ الآن، وعندما يعترف ضباطه بأن مقاومي حزب الله يستخدمون الأساليب التي استخدمها الشيوعيون الفيتناميون في حربهم المنتصرة على الولايات المتحدة الأميركية، فهذا يعني أن «الجيش الذي لا يقهر» لم يعد يستطيع تسجيل الانتصارات في حروب خاطفة بل إنه لم يعد يدعي استطاعته حماية سكانه في الداخل. فكيف به وقد عجز عن احتلال غزة على امتداد السنوات الأربعين الأخيرة. وكيف به وهو لا يزال مكتوياً بهزيمته في الجنوب اللبناني بعد 18 سنة من الاحتلال!
والجديد أيضاً وأيضاً هو عجز آلة القتل الإسرائيلية عن تحقيق أي هدف من أهدافها العسكرية المعلنة في «معس» حزب الله، وتدمير قدراته الصاروخية واغتيال قادته، بعد أسبوعين على بدء حربها على لبنان. ومن لا ينجز مكاسب على الأرض، لن يستطيع انتزاعها بواسطة السياسة والدبلوماسية ولو تكأكأت عليه قوى الأرض قاطبة! والجديد هو عجز الإدارة الأميركية عن الادعاء أنها إزاء الفشل المتمادي في «حربها على الإرهاب» في ساحات أفغانستان، والعراق قد نجحت أخيراً، وبواسطة «الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر»، في تحقيق انتصار على حركة تحرر وطني تشاء أن تنعتها بالــــ«إرهاب» في لبنان!
وهذا الجديد ليس عسكرياً فقط. إنه سياسي بعمق. لأنه يؤشر إلى أن السلام الوحيد الممكن هو ما يتم بين طرفين قويين. دون أن يكونا بالضرورة متساويين في القوة. هذا هو نموذج السلام الممكن على الحدود الفلسطينية واللبنانية، الذي تسعى إسرائيل إلى تدميره بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. إن «الشرق الأوسط الجديد» الذي تنادي به الآنسة رايس يقوم تحديداً على وأد هذا «الجديد» في الشرق الأوسط.
أما عن «الديموقراطية الهشة» في لبنان، التي يحرص عليها السيد بوش كل الحرص وهو يطلق الطائرات الإسرائيلية للمزيد من تهشيشها، فلن تنقذها قبلة طبعتها ناظرة الخارجية الأميركية على خد الرئيس فؤاد السنيورة. هي أشبه بقبلة يوضاس تقول إن الشعب اللبناني سوف يبقى على الصليب لأيام أو أسابيع قادمة على الأقل.
الله أكبر!
27/7/2006