أنت هنا

قراءة كتاب من زوايا أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من زوايا أخرى

من زوايا أخرى

هذه مجموعة من مقالات فواز طرابلسي في السفير خلال السنتين المنصرمتين. لقد أراد لها أن تكون رؤية للأحداث "من زوايا أخرى" غير تلك التي تقدمت بها من أطراف النظام والطبقة السياسية اللبنانية أو من مراكز القرار الدولي أو الحكّام.

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

دعوة للاقتداء بالعدو: لجنة للتحقيق في ... الانتصار

بما أن الجمهورية اللبنانية لا تزال تتبع النظام الديموقراطي، وبما أن البلاد مرّت بتجربة دامية وخطيرة ومصيرية، ومساهمة في إخراج النقاش من التناحر داخل مجلس الوزراء أو من الوساطات بين الزعماء، على وتيرة الإملاءات الخارجية،
لماذا لا تشكّل الحكومة اللبنانية لجنة للتحقيق في الحرب الأخيرة ترفع توصياتها إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء؟ لجنة يكون من بين مهماتها:
أولاً، تقييم الانتصار الذي حققته المقاومة والشعب والدولة خلال المواجهات الأخيرة وما رافقه أو شابه من ثغرات وتقصير واستبيان طرق المحاسبة المناسبة.
ثانياً، تعيين الوسائل الآيلة إلى تعزيز طاقات الصمود والقوة تحسباً للمستقبل. خصوصاً أن أصواتاً في إسرائيل تتعالى منذ الآن مطالبة أو مهددة بالتحضير للمواجهة التالية.
ثالثاً، وضع تصوّر للكيفية التي سوف تتضافر بها قدرات المقاومة، وخبراتها الميدانية المجرّبة، مع طاقات الجيش الوطني من أجل تحقيق إحدى أوائل المهمات السيادية: دفاع الدولة عن مواطنيها تجاه الخارج. وهي مهمة تقع على مستوى الأهمية والمصيرية مثلها كمثل بسط سيادة الدولة على كامل التراب الوطني. بل أن المهمتين متلازمتان أيما تلازم. ولكن فلنتذكر أنهما متفارقتان منذ العام 1982 عندما باشرت الدولة التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي على اتفاق 17 أيار، فأقدمت قوى مجتمعية آنذاك على الانفراد باتخاذ «قرار السلم والحرب» فأعلنت المقاومة الوطنية والإسلامية ضد الاحتلال. ومنذ ذلك الحين، تعمّقت المفارقة ونشأ ما يشبه توزيع عمل بين جيش نيطت به المهمات الأمنية الداخلية و«بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها» وبين مقاومة تحمّلت مهمات وأعباء تحرير الجزء المحتل من التراب الوطني.
رابعاً وأخيراً، دراسة الكيفية التي سوف تتولى بها الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية حماية المقاومين من أبنائها من الانتقام الإسرائيلي بعد أن يجري البت في أمر وحدانية السلاح بيد الجيش النظامي.
سوف يُقال إن هذا الاقتراح يستلهم اللجنة التي قرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تشكيلها للتحقيق في الأخطاء والثغرات التي أدت إلى هزيمة لم يقوَ أولمرت على تسميتها بالاسم. وهو بالضبط كذلك: طرفان خارجان من حرب، كل يقيّم أداءه فيها. واحد يحقق في الهزيمة وآخر في الانتصار. والى من يسأل: أين هذا الاقتراح من قرار مجلس الأمن والقوات الدولية والمنطقة الخالية من السلاح جنوبي الليطاني؟ بل أين نزع سلاح المقاومة وتطبيق القرار 1559؟ الجواب: العدو يبحث في سبيل تجديد طاقته الردعية. وهذا ما يرتب على لبنان إعادة بناء طاقته الدفاعية، ولو على سبيل الاحتياط.
عدا عن ذلك، فلجان التحقيق تقليد فعال من تقاليد الأنظمة الديموقراطية. هل تعني أن إسرائيل دولة ديموقراطية؟! يسألني سائل. والسؤال من مادة إحدى صيحات الاستنكار المتكررة خلال التظاهرات التي انطلقت في أرجاء العالم العربي استنكاراً للعدوان وتضامناً مع لبنان وفلسطين: «أهذه المجازر هي ديموقراطيتك يا إسرائيل ويا أميركا؟!». هي صيحة صدق وغضب ضد ازدواج المقاييس والقيم والمحاسبة والكيل بمكيالين والاستهانة الكاملة بحقوق الإنسان بل وضد العنصرية الوقحة تجاه كل ما هو عربي ومسلم.
ومع ذلك، يستدعي السؤال الإجابة المباشرة. والجواب هو «نعم» و«لا» في الآن ذاته. «نعم»، ان النظام السياسي للولايات المتحدة الأميركية نظام فيدرالي ديموقراطي. والنظام السياسي لدولة إسرائيل ديموقراطي على اليهود يحتوي مقداراً كبيراً من التمييز العنصري، أخذ يتصاعد في الآونة الأخيرة، ضد الأقلية العربية. و«لا»، إن ما مارسته الولايات المتحدة وإسرائيل في لبنان، وما تمارسانه في فلسطين والعراق وعموماً خارج حدودهما، نقيض للديموقراطية في العلاقات الدولية. إن ما تمارسه هذه وتلك له اسم آخر: الإمبريالية واستغلال ثروات الشعوب والنزعة العدوانية العسكرية. لسنا ندعي اكتشاف البارود في تأكيدنا على هذا الفصام بين داخل وخارج كالذي تعيشه الدول الصناعية في أوروبا وأميركا منذ قرون. ولن نضيف جديداً إن قلنا إن مترتبات «الخارج» الاستعماري باتت تتسرّب إلى «الداخل» الديموقراطي وتتهدده على نحو غير مسبوق في العقود الأخيرة. بل ان من دروس الحرب الأخيرة أن الداخل الإسرائيلي لم يعد محصناً ضد آثار العدوانية التوسعية الإسرائيلية في الجوار.
ولكن ما يهمنا هنا أن من يخلط بين الديموقراطية والإمبريالية يخطئ مرتين: أولاً، لاعتقاده أن الديموقراطية صنو للنزعة السلمية والاستكانة بل الاستسلام أمام المخاطر الخارجية. ويخطئ ثانياً إذ يتصور أن أنظمة الاستبداد والدكتاتورية قوية، تعريفاً وبالضرورة، في وجه الخطر أو العدوان الخارجي. فمعظم أنظمة الاستبداد والدكتاتورية التي خبرناها غالباً ما جمعت البطش ضد شعوبها والضعف تجاه الأعداء الخارجيين.
خلاصة الأمر، أننا نستطيع أن نكون أقوياء وديموقراطيين. بل نستطيع أن نكون أقوياء خصوصاً إذا استندنا إلى مؤسسات ديموقراطية راسخة. فالسؤال ليس ماذا تريد أميركا (أو ماذا تريد لنا، أو ماذا تريد فرضه علينا) بل السؤال: ماذا نريد نحن لأنفسنا؟ هل نريد أن نختار بحرية حكامنا وأن تكون لنا مؤسسات تمثل إرادتنا وتطلعاتنا ومصالحنا وقوانين وأعراف لمساءلة ومحاسبة من انتخبناهم على كيفية تمثيلنا والتصرف بحياتنا وبيئتنا وثرواتنا ومصادر رزقنا، وتغييرهم، بل ومعاقبتهم إذا اقتضى الأمر؟ أم لا نريد؟ هذا هو السؤال. فإذا كان الجواب بنعم، فإننا بالديموقراطية إنما نمنح أنفسنا مصادر القوة لا الضعف. هكذا تكون الديموقراطية، بما هي الخيار الحر، عصب القوة في المسألتين الوطنية والقومية في زمن يتواطأ كثيرون، وفي مقدمتهم الدعاية الأميركية، على غرس التناقض والتعادي بين هذه وتلك. والمهم أن لا ندين أميركا على الجريمة الوحيدة التي لم ترتكبها في المنطقة: نشر الديموقراطية.
قد تنجح إسرائيل في تجاوز بعض آثار الهزيمة التي لحقت بها خلال هذه الحرب، بأن تحاسب قياداتها وربما تغيّرها وتعد العدة لحروب جديدة تتعلم خلالها من أخطائها، وتشنها على منطقتنا والعالم باسم «الحرب المستمرة على الإرهاب». وقد نخسر نحن ميزات الانتصار إذا غرق تقييم ما جرى والمحاسبة في الحسابات البلدية الصغيرة والأفدح إذا بددنا عناصر القوة والدفاع بحجة أن الحرب قد وضعت أوزارها.
مجدداً، السلام الوحيد المجدي هو ما يقع بين أقوياء!
16/8/2006

الصفحات