أنت هنا

قراءة كتاب الأصولية والعقلانية - دراسات في الخطاب الديني العُماني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأصولية والعقلانية - دراسات في الخطاب الديني العُماني

الأصولية والعقلانية - دراسات في الخطاب الديني العُماني

تتسم أعمال هذه الدراسة وأحداثها المتفاوتة بخاصية ضمنية تُحرّكها، وتتحكم فيها، ألا وهي ظاهرة التجانس والانسجام الموضوعي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

الخطابات المتنافسة

تتنافس العديد من الخطابات في الفضاء الاجتماعي الواحد، بغية السيطرة على هذا الفضاء، وتوجيه الفاعلين الاجتماعيين فيه حسب أسس وقواعد محددة. تختلف حدة هذا التنافس وأساليبه، من مجتمعٍ لآخر، ومن ثقافةٍ لأخرى. تساهم السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، في خلق أدوات الخطاب وأساليبه في التعبير عن رؤى منتجي هذا الخطاب، أو المساهمين في إنتاجه. وهذا يعني أنه لا يمكن أن يسيطر خطاب واحد، على فضاءٍ اجتماعي ما، ذلك أن بقية الخطابات التي تنافس أو تعارض الخطاب الرئيسي أو خطاب الأغلبية، مهما كانت سيطرة هذا الخطاب وسطوته، ومهما كانت الأدوات التي يستخدمها والوسائل المتاحة لديه أو التي يساهم في خلقها، لا بد أن يكون لها نصيب من القبول المجتمعي، والإقبال على ما تطرحه من رؤى ومواضيع. ذلك أن الفاعلين الاجتماعيين في كل زمان ومكان يختلفون في خلفياتهم المعرفية، ورؤاهم الأيديولوجية.
ذلك أنه لا توجد مجتمعات متجانسة، خالية من الاختلافات، أو تجمعات بصوت واحد، ورأي واحد، وفكر لا يقبل الاختلاف والتعارض في الرؤى ووجهات النظر.
عندما نتحدث عن الفضاء الاجتماعي العُماني، وعن الخطابات الفاعلة والمؤثرة، بل والمحركة لهذا الفضاء المختلف اختلافاً إيجابياً، فإننا يجب أولاً، أن نقوم بعملية معرفية هامة، وتاريخية لا تقبل التأجيل: نقصد بذلك عملية الحفر التاريخي والفكري في الأنظمة المعرفية لهذا المجتمع المتداخل والمعقد، والذي يستحق كل ثناء وتعزيز لصموده واستمراريته برغم الاختلافات التي يزخر بها.
ثمة أسئلة منهجية معقدة، تواجهنا لحظة التفكير في الحديث عن المجتمع العماني المعاصر، هل نتحدث بشكلٍ تاريخي أي هل نبدأ بطرح أسئلة حول تاريخية هذا التجمع المتميز في المجتمع العماني؟ أم هل نتعامل مع الحالة الراهنة والخطابات المتنافسة فيه بغرض الكشف عن الخطابات الفاعلة فيه، ومحاولة إضاءتها من الداخل والكشف عن ممكناتها؟ وكشف عمليات التمويه التي تقوم بها سواءً بصورة واعية أو غير واعية.
قد يتساءل المتلقي، عن أهمية وبواعث هذا البحث في هذا الوقت بالذات، هذا الوقت الذي تتعرض فيه الكيانات السياسية العربية والإسلامية وأنظمتها الدينية والاجتماعية وغيرها، تتعرض للهجوم والانتقاد من العديد من الجهات والجوانب؟ وهل يصب هذا البحث في هذا الجانب، أو هذا الاتجاه؟
لنسارع بالقول في مقدمة هذا البحث، بأن هذا العمل ينخرط وبشكلٍ كامل في هدفٍ مختلف عن كل تلك البواعث والأيديولوجيات السائدة والمتداولة في هذه الآونة، انه يحاول القيام بتقديم رؤية حول الخطابات الموجودة في عُمان وتأثيرها في الإنسان العماني، وكيف ساهمت هذه الخطابات في صياغة التاريخ العماني المعاصر إلى حدٍ كبير.
ثمة كثيرٌ من الخطابات المتعايشة في بقعة جغرافية معينة، وفي فضاءٍ معرفي محدد، تحاول أن تفرض بشكل ناعم غير عنيف، وجهات نظرها على المجتمع أو الفاعلين الاجتماعيين، بهدف اتباع ما تقدمه من رؤى وأطروحات.
تتعدد وتتنوع إذن، الخطابات حسب تشكيلة المعنى التي يطرحها أو يمسها أو يناقشها، لذلك نجد أن داخل كل خطاب عريض، مجموعة من الخطابات المتنوعة، المتفقة أو المعارضة لهذا الخطاب الأم.
في حديثنا إذن، عن الخطابات بشكلٍ عام، نجد أنها تخضع للكثير من الشروط والإكراهات. فهي بذلك تتأثر بكل العناصر والمعطيات التي ترتبط بها، بل وتلك التي لا ترتبط بها في علاقاتٍ مباشرة. وهي في المقابل لا تتوقف عن التأثير في كل الخطابات والرؤى التي تقترب منها أو تبتعد عنها.

الصفحات