أنت هنا

قراءة كتاب الأصولية والعقلانية - دراسات في الخطاب الديني العُماني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأصولية والعقلانية - دراسات في الخطاب الديني العُماني

الأصولية والعقلانية - دراسات في الخطاب الديني العُماني

تتسم أعمال هذه الدراسة وأحداثها المتفاوتة بخاصية ضمنية تُحرّكها، وتتحكم فيها، ألا وهي ظاهرة التجانس والانسجام الموضوعي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

خطابات جديدة: مستقبل مختلف

ورد سابقا الحديث عن وجود ثلاثة خطابات دينية إسلامية في الفضاء العُماني، وحضور خطاب واحد وهو الخطاب الاباضي فقط لأسباب ذُكرت سابقاً أيضاً.
غير أن الحديث عن الواقع الموجود والمشاهد وتحليله لا يكفي بحد ذاته، بل ينبغي رسم أو تحديد خريطة للخطابات في المراحل المستقبلية بهدف تحقيق العنصر الأساسي في مفهوم المواطنة وهو المساواة في الحقوق والواجبات. في هذا السياق نحن أمام خيارين فيما يتعلق بالخطابات الدينية:
1) الإبقاء على الوضع الحالي مما يعني الإخلال بمبدأ المواطنة وهو العمود الفقري «للدولة الحديثة».
2) منح جميع الخطابات الدينية نفس الحقوق والواجبات بما يعني ذلك توفير الإمكانيات المتساوية للجميع: إعلامية، ومادية، وتواصلية... الخ. لتبقى تحت الرقابة التنظيمية لجهاز الدولة.
بنظرة سريعة وانفعالية يبدو الخيار الثاني بكل طوباويته هو الخيار الأفضل إلاّ أنه في الواقع هو خيار لا يقل خطورة، وخاصة على المدى الطويل، عن الخيار الأول بالرغم من الفوارق العميقة بينهما، ومكمن الخطورة أن الشارع العُماني سيتحول إلى ساحة لصراع «الإستملاكات الرمزية» (15) والاعتقادية، مما يعني «تديين» المجتمع وتعميق الحس الديني-الاجتماعي فيه، الأمر الذي يعني اشتعال حدة الصراعات الدينية والاعتقادية، والتاريخ العربي المنهك بالصراعات خير شاهد على ذلك.
للخروج من هذا المأزق ـ وهو مأزق مستقبلي غير مرغوب فيه ـ لا ينبغي إحضار الذئب إلى الحظيرة، بل ينبغي إخراجه منها، وهو لن يخرج طواعية وبملء إرادته بل يحتاج إلى منافس وجودي، ورؤيوي، يقدم خيارات حياتية ضرورية وممكنة للحياة. وبحسب الأنظمة المعرفية الحالية المتوافرة لدينا فإن العلم هو النسق الوحيد القادر على طرح رؤى وجودية مختلفة عن الرؤى السائدة، دينية وغيرها.
أنشأ العلم على مرّ تاريخه ـ وبفضل جهود الكثير من العلماء أصحاب الاختصاصات المختلفة ـ الكثير من التصورات المغايرة، وغير المسبوقة، عن الوجود، بكل ما فيه من تنوع وتفاوت، بدءاً بعلم الفلك على يد كوبرنيكوس (1473-1453م) والجهود المباشرة المؤثرة فيه وغير المباشرة. هذه التصورات الكونية الإنسانية التي كانت مستقاة من الكتب الدينية المقدسة والتأملات الشخصية، مروراً كذلك بكل المفاهيم الشخصية، والجماعية.
لذلك نجد أن العلم لم يعد منحصراً في تقديم خدمات حياتية وتسهيلات معيشية مستمرة ومتجددة، كالاتصالات، والنقل، والطب... وغيرها الكثير. فهذه الرؤية الأخيرة بالرغم من وضوحها للمتابع والمشاهد إلاّ أنها بمثابة جبل الجليد الذي يُبطن أكثر مما يُظهر. ذلك أن الخطاب العلمي، الذي كان في البدء عبارة عن اجتهادات فردية لا ترقى إلى منهجية مستقلة، كان في بدايته خطاب مواجهة واختلاف مع الرؤية المهيمنة: الرؤية الدينية، ثم أصبح فيما بعد ومع مرور الوقت وازدياد التخصصات العلمية الدقيقة، ينتج لنا كل يوم مفاهيم وسلوكيات وآفاقاً جديدة غير مسبوقة. الفهم العمومي والشائع لكلمة «علم» ترتبط فقط بالعلوم الفيزيائة والكيميائية، أي بالعلوم الطبيعية، وتستبعد نتيجة لذلك العلوم الإنسانية المتعددة التي حاولت محاكاة العلوم الطبيعية في منهجيتها وصرامتها، فأوجدت بذلك قواعد منهجية لمعالجة السلوكيات البشرية الفردية والجماعية، كعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والأنثروبولوجيا... وغيرها.
في هذا السياق، وبهدف الخروج من المأزق الوجودي الراهن والمستقبلي، نجد أن الخطاب العلمي بشكلٍ عام، هو الخطاب البديل القادر على انتشال الإنسان من الكثير من المخاطر التي ينتجها لنفسه. لا يكتسب هذا الخطاب البديل أهميته إذا اقتصر فقط على العلوم الفنية والتقنية بالرغم من أهميتها، «فالعلم لا يفكر بذاته» كما يقول هايدغر، بل تحتاج هذه العلوم الفنية والتقنية إلى علوم إنسانية تجعلها تفكر في الوجود، وتخلخل بنية التفكير الإنساني، فالعلوم بدون فلسفة تبوصل مسارها تبقى تائهة في فضاء المعرفة الكبير، وتبقى أيضاً محدودة التأثير: أي اننا نجد الكثير من العلماء والفنيين والمختصين في الفيزياء أو الكيمياء وغيرها نجدهم بنزعة أصولية عميقة عندما يتحدثون عن الحياة، وهذا يعود إلى حجم الفروقات الهائلة بين التحديث الفكري والتحديث التقني وأهمية الأول كجسر للوصول إلى الثاني بالشكل العميق والهادف.

الصفحات