قراءة كتاب دراسات في الفلسفة - الفكر - الدين - السياسة - الثقافة - الأدب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في الفلسفة - الفكر - الدين - السياسة - الثقافة - الأدب

دراسات في الفلسفة - الفكر - الدين - السياسة - الثقافة - الأدب

يجلس المثقف النخبوي في مجلس القبيلة، يداعب وهم الانتماء إلى القوم، أو بالأحرى يحاول إيهام القوم بانتمائه من أجل تحريك جلمود الصخر القبلي الذي "خطّه السيل من علٍ" منذ أزمنة لم يمر عليها الزمن... كأن الزمن العربي زمن ذرّي لا يتواصل، أو رملّي بلا امتداد...

تقييمك:
3.5
Average: 3.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

مروّة يؤصّل الماركسيّة

بدأت ماركسيّة مروّة تتميّز بدءاً بالعام 1954 حين وضع مقدّمة فكريّة لكتاب في الثقافة المصريّة الذي حدّد فيه كاتباه محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس مدلول الثقافة المصريّة بوصفها انعكاساً للواقع الاجتماعي، الذي هو واقع مصري، على وجه التحديد. وقد صوّب مروّة ما اعتبره أحديّة الميل الإقليمي عند رفيقيه الماركسيين البارزين مؤكِّداً على العلاقة الجدليّة بين الثقافة العربيّة عموماً من جهة، والخصوصيّة الثقافيّة المصريّة من جهة ثانية، أي أنّه اكتشف القانون العام في الثقافة الإقليميّة، كما قال العالم.
وقد توسّع مروّة في استخدام نهجه الجدلي ليكشف العلاقة الجدليّة بين الثقافة الوطنيّة ـ القوميّة من جهة، والثقافة العالميّة من جهة ثانية، رافضاً فكرة الحضارة المنغلقة (نظريّة شبنغلر) وفكرة الدوائر الحضاريّة المنغلقة (نظريّة توينبي). وينقد الموضوعة الهيغليّة التي تشطب الفلسفة العربيّة ـ الإسلاميّة بل الشرقيّة من تاريخ الفلسفة بحجّة أنَّها «تصوّرات وآراء دينيّة تبدو لأوَّل وهلة أنَّها فلسفة». هذا لا يعني أنَّ مروّة يعبر فوق الفوارق في طرق التفكير. إنَّه يراها، لكنَّه يرفض جعل هذه الفوارق بين طرق التفكير الشرقي وطرق التفكير الغربي خطوطاً متوازية لا يشتملها القانون العام القائل «إنَّ التفكير البشري، شرقيّاً كان أم غربيّاً، هو عنصر من عناصر الوعي الذي هو عبارة عن النتاج التاريخي لتطوّر المادّة. وإنَّ التفكير، كذلك، شرقيّاً كان أم غربيّاً، هو انعكاس للوجود أو أنَّه، في الشرق كما في الغرب، ينتظم من عناصر متماثلة». (ص 125).
وهكذا يدرج مروّة الخاصّ في العام مستنداً إلى راكزين:
ـ أنطولوجي (وجودي)، ماثل في قانون ارتقاء الفكر في المادة.
ـ وسوسيولوجي ماركسي، ماثل في انشراط الوعي بالوجود الاجتماعي. ولا يبقى سوى التأليف الجدّي بين الفوارق أو الخصائص المميّزة، للتفكير في ثقافتنا ـ والدين منها في المركز ـ والكوني العام في ديالكتيك العلاقة بين الخاصّ والعامّ «بمعنى أنَّ كل طريقة للتفكير هي فريدة من نوعها، خاصّة، وهي في الوقت نفسه عامّة» (ص 126).
إنَّ لتأكيد مروّة على هذا الديالكتيك وظيفته السياسيّة الثقافيّة ـ الاستراتيجيّة في النهاية. فالخصوصيّة تمنع الذوبان الثقافي وامّحاء الشخصيّة القوميّة في العالمي، والعموميّة تمنع التجمّد والانغلاق على الذات ورفض هذا العالمي ذاته.
ويستقرئ مروّة ديالكتيك الخاصّ والعامّ الحضاري في تاريخ تعاقب الحضارت ناقداً الخصوصيّة المغالية التي لا تعترف بالعام مرتكزاً إلى حقيقة «أنَّ التاريخ لم يعرف قطّ مجتمعاً انغلقت عليه، كلِّيّاً ونهائيّاً، أبواب التواصل بين حضارته الخاصّة وحضارات الشعوب الأخرى ممّا يجعل كل حضارة خاصّة تحتوي عناصر ثقافيّة متنوّعة متعدّدة»(27).
وقد ذهب مروّة في تأكيد مبدأ التداخل بين الحضارات وإلى حدّ التحرّج في استخدام كلمة «حضارات» في صيغة الجمع، «لأنَّ تاريخ تعاقب الحضارات هو تاريخ تداخلها وليس تنافيها». والحقيقة هي أنَّ القارئ لا يستطيع أحياناً أن يقاوم الشعور بأنَّ تأكيد مروّة على جانب العموميّة يجيء على حساب التمييز والخصوصيّة، وإن كان يفيد الذين يمعنون في التنقيب عن خصوصيّات إقليميّة، ويغرقون تاريخ التفاعل بين الثقافات والحضارات في خصوصيّة جغرافيّة تبالغ في «عبقريّة المكان» وأثره على التاريخ والثقافة في مصر، أو خصوصيّة دينيّة رجوعيّة تقطع نفسها عن تيّارات الفكر العالمي، وترتدّ عن العصر إلى الكهف الدهري وتغيب عن الوجود الخارجي، وحين تصحو تجد نفسها من جديد غريبة عن الزمان، فتعود إلى كهفها من جديد. ويسهم مروّة في ترسيخ عروبة هذا التراث بالتأكيد على الوحدة الجدليّة بين وجهيه: الوجه العربي والوجه الإسلامي. مشدّداً على أنَّ هذه الوحدة بين الوجهين غير قابلة للتجزئة على أساس عرقي:
«هذا التراث عربي كلّه مهما كانت الأصول القوميّة لمنتجيه. هو عربي لا من حيث لغته مجرّدة، بل من حيث أنّ بناءه اللغوي هو في الوقت نفسه بناء فكري واجتماعي وسياسي معاً، وهو أيضاً بناء فيلولوجي وأنثولوجي وسيكولوجي في آن واحد»(28).
والتراث هو إسلامي بالمعنى الحضاري و«ليس بالدلالة الدينيّة» للكلمة أي بمعنى «مشاركة الشعوب الإسلاميّة، في إثراء مسيرة العرب الحضاريّة في إطار بنيةٍ اجتماعيّةٍ مركَّبة متكاملةٍ استظلّت دولة الخلافة الإسلامية» (170). ويذكّر مروّة هنا بالأقليات الدينيّة (التي لم تكن لتتواجد في ظل دولة الخلافة لولا سماحة الإسلام الرحيبة التي لم ترق إلى بعضها مسيحيّة القرون الوسطى). ومن الواضح هنا أنّ مروّة، بتجريده العروبة من عصبية العرق أو الإسلام من عصبيّة الدين، يعلو على ماضينا التاريخي بمثال الحضارة العصريّة.
«مادّيّة النزعات» و«مثاليّة التراث»

إنَّ صرامة مروّة النهجيّة تبدأ من اختياره «النزعات المادِّيَّة» عنواناً لكتابه، وليس «الفلسفة» أو «التيّارات» المادِّيَّة مثلاً. فالنزعات المادِّيَّة عناصر لا تكتمل في بنية متماسكة متّسقة، وإنّما توجد موزّعة ومستبطنة في تضاعيف الفلسفة المثاليّة التي سادت لكونها إيديولوجيا الطبقة السائدة. واختيار مروّة للمصطلح ينبني على الموضوعة اللينينيّة القائلة: «إنَّ الأفكار الديموقراطيّة والاشتراكيّة توجد في كل ثقافة وطنيّة وقوميّة بشكل عناصر نزعات في حين توجد ثقافة الطبقة السائدة بشكل ثقافة سائدة». لكنّ الذي أعطى كتاب مروّة طابعه الموسوعي أو الشمولي هو أنَّه لم يقدّم لنا النزعات المادِّيَّة منعزلة عن نقيضها المثالي ليبرزها أو يضخّمها كما تعوّدنا في الإنتاج الثقافي المخضع لغايات الإيديولوجيا السياسيّة السطحيّة المباشرة، وإنّما جاء مؤلّفه مشتملاً على الروحي والمادِّي، الغيبي والعقلاني، الجبري والقدري. ولا يغالي مروّة في أيّ مكان من مؤلّفه بـ «مادِّيَّة التراث» بل يعترف بأنَّ «الفلسفة العربيّة ـ الإسلاميّة كانت ذات أشكال دينيّة، وكغيرها من فلسفات القرون الوسطى ارتبطت بالتاريخ، ولكن هذه الميزة الواقعيّة لا تخفي النزعات المادِّيَّة. وقد استطاع فلاسفة القرون الوسطى أن يبرزوا ميولهم الفلسفيّة المادِّيَّة من خلال الأشكال الدينيّة» (131).

الصفحات