أنت هنا

قراءة كتاب أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

على الرغم من تطور مجالات الثقافة والعلوم السريانية في بداية القرن السابع الميلادي، فإن سيطرة البيزنطيين على المدارس العليا في سوريا وضغوط الفرس وتدخلهم في حياة أهالي العراق وإشعال نار الفتنة بين المناذرة والغساسنة الذين كان من بينهم عدداً كبيراً من المسيحيي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

وأشار كتاب (الطواف) حول البحر الاتيري لمؤلف يوناني والمكتوب بين السنوات (50-60م) كما يذكر العلامة الأحمد، أن مدينة أبولوكس (الأبلة) كانت فيها أسواق مهمة يصدر منها اللؤلؤ الذي كان يستخرج من الخليج العربي، ويباع لليمن وغيرها، وكانت تستقبل هذه المدينة الأرجوان، الذي كان يصلها من الموانئ الفينيقية، وكذلك الذهب والرقيق اللذين كانا تجارة مربحة تقدم الفرثيين والرومان معاً، كانت مملكة ميشان تميل إلى الرومان خلال فترة الحروب التي اندلعت بين السنوات (33 – 54 ق.م).
خلف الملك سباسينس ابنه الملك أبوراكوس الذي تعكس نقوده حبه أيضاً للهلنستية من ناحية وولعه بركوب البحر، ومن ناحية أخرى نرى في نقوده صورة البطل هرقل ومقدمة لسفينة، وحيث أن والده قد أسس أسطولاً تجارياً صغيراً يعمل في الخليج العربي، فقد اهتم هو أيضاً بهذا الأسطول، ومن ملوك ميشان الذين جاءوا بعد (أبوراكوس) تيرابوس الأول، الذي سكّ له نقوداً مماثلة لأسلافه([3]).
ومن الملوك الميشانيين (ثيونسيوس الأول) وهو اسم هلنستي وتحمل نقوده التواريخ 18، 19 ق.م وقد خلفه الملك أطامبيلوس (وهو اسم آرامي يدخل في تركيبه اسم الإله بعل) وتعكس النقود المعدنية الميشانية التي سكّها هذا الملك في الفترة بين (7-9 ق.م) الميل نفسه لدى أسلافه إذ ظهرت عليها صورة هرقل وصورته إلى جانب ألقابه، واعتنى هذا الملك الرافديني بالتجارة مع الدول الأجنبية، مما يدل على أهمية منطقة الخليج العربي للتجارة العالمية آنذاك.
وفي هذه الفترة برز الجغرافي الرافديني المعروف (دابوسيوس) من أهالي كرخا الذي كتب باليونانية، إذ وصلنا جزء مما كتبه ليتحدث فيه عن الأرض وأحوالها، كما ظهر مؤرخ رافديني آخر يدعى (ايسودور الكرخي) أو ايسودوروس كما يسميه الرومان الذي ولد في كرخا وألف كتاباً أسماه (المحطات البارثية Parthian Stations) يتحدث فيه عن المراكز التجارية في (الخليج العربي) وربما كان ذلك سنة 26 ق.م.
وحكم بعد ذلك في ميشان ملكاً هما (ادنركلوس) و(ابنركلوس) ويدخل في تركيب اسمي هذين الملكين اسم الإله (نركال) إله الموت والمرض البابلي، وقد حكم الأول بين الأعوام 10 – 13من والثاني بين السنوات 13 – 22م، وفي هذه الفترة قامت علاقة بين ملك مملكة حدياب الآرامية (منطقة أربيل وما جاورها) المدعو (مونوبازوس الأول) وبين مملكة ميشان – وكان مونوبازوس قد أرسل ابنه الأمير (ايزات – عزة- الأول) إلى بلاط الملك ابنركلوس ملك كرخا – ميشان ومعه هدايا، فاستقبله ميشان بكل حفاوة وزوجه من ابنته (سماخو) وأعطاه مقاطعة سكن فيها وكان (ايزات) قد اعتنق الدين اليهودي، فقام أثناء اتصاله بالتجار الوافدين إلى ميشان بإقناعهم باليهودية وطلب منهم أن يتاجروا مع مملكة حدياب.
وكانت في مملكة ميشان جالية تدمرية كبيرة تقوم بأعمال التجارة بين كرخا ومناطق الخليج (العربي) وبين تدمر، وفي زمن الملك الميشاني (ثيونسيوس) أقاموا تمثالاً لإلههم (زبدي بعل) وذلك في منتصف القرن الأول الميلادي، وكانت هذه الجالية تنتخب لها رئيساً، كما كان لها معبد خاص بها، وكانت لها علاقة قوية بدولة الأنباط، وكان المركز الرئيسي لتحميل البضائع إلى بلاد النبط مدينة فرات على نهر دجلة السفلي، والتي تبعد حوالي عشرين كيلومتراً من كرخا، وكان النبطيون يسلكون طريق نهر الفرات حتى بابل ثم يجتازونها إلى صحراء الشام سالكين الطريق الروماني (Roman Strada) الذي كان يخترق الصحراء نحو بلاد النبط.
كان آخر ملوك مملكة ميشان الرافدينية (باندو) الذي قتل على يد الملك الساساني أردشير سنة 224م وعندما هاجم مملكة ميشان واحتلها، وبعد ذلك اطلق الساسانيون اسم (استراباد- اردشير) على كرخا وعلى مدينة فرات ميشان (بهمان- اردشير) ([4])، وفي القرن الثاني الميلادي تقريباً وصلت المسيحية من خلال الأساقفة المرسلين من قبل مركز المسيحية في العراق الذي كان في كنيسة (ساليق- قطيسفون) لذلك ازدهرت المسيحية النسطورية وفي العهد الساساني، كانت تضم منطقة ميشان أربعة أسقفيات هي مدينة أبلة جنوب البصرة ثم فرات – ميشان كراخ – ميشان وأبعد من ذلك (بيث لافاط) أي جنديسابور.
وبعد حملة الاضطهاد التي جرت ضد المسيحيين في العراق وإيران في الأربعينيات من القرن الرابع الميلادي، تم إعدام المئات من رجال الدين وعلى رأسهم جاثليق المشرق أو جاثليق العراق مار شمعون برصباعي، وألحقوا به خلفه الجاثليق شاه دوست الذي ألقي عليه القبض وأرسل إلى منطقة ميشان (بيت هوزايي) حيث قطع رأسه هناك لتخويف المسيحيين أولاً ولإعدامه بعيداً عن العاصمة قطيسفون التي أصابها الهلع والاضطراب بعد أن أُحرق ودمر فيها العديد من الكنائس.
لكن المسيحية عادت إلى نموها وانتشارها في القرن الخامس الميلادي في منطقة ميشان وخصوصاً في مدينة فرات – ميشان حيث تأسست فيها مدرسة لتعليم اللغة السريانية والثقافة العامة، وظهر في هذه الفترة كثير من الأدباء والمؤلفين من رجال الدين، كما ظهرت مهنة الطب لأول مرة بعد قدوم عدد من الأطباء والصيادلة المسيحيين من مدينة بيث لافاط (جنديسابور) ويذكر أن مدينة جنديسابور أقيمت من قبل الأسرى الرومان والسريان الذين سباهم الفرس في مدينة نصيبين وذلك عام 350م التي تأسست فيها أول مدرسة للطب ربما بعد انطاكيا، وكذلك أول بيمارستان (مستشفى) في العراق، إذ قدمت هذه المدينة الكثير من الأطباء والصيادلة إلى مدن العراق مثل قطيسفون والحيرة وكشكر والكوفة وبغداد حيث أنشأت البيمارستانات، وتعلم العراقيون وغيرهم الطب والصيدلية.
وكذلك مدينة فرات – ميشان مركزاً للمسيحية في منطقة (بيث هوزايي) الأهواز وكذلك في منطقة بيث لافاط المجاورة حيث تناوب عليها العديد من الأساقفة، ومن الملاحظ أن أول أسقفية تأسست مبكراً وذلك في عام 206م، كما أفادنا الباحث السرياني أيشوعدناح الذي أشار أيضاُ إلى وجود مدرسة في هذه المدينة لتعليم اللغة والآداب السريانية، أما الأساقفة الذين تناوبوا على كرسى مدينة فرات- ميشان أو ميشان، فمنهم:
1) داود : الذي كان أسقفاً على ميشان عام 206م.
2) بوليداع: وقد استشهد مع مار شمعون برصباعي الجاثليق، في الاضطهاد الأربعيني عام 341م.
3) عبدا : وقد استشهد أيضاً في الاضطهاد الأربعيني بعد بوليداع.
4) زبدا : وقد حضر المجمع الكنسي الذي عُقد في قطيسفون عام 410م والذي كان من بين قراراته بناء مأوى للغرباء والمساكين قرب الكنائس.
5) ميلس : كان معاصراً لزبدا ، وحضر مجمع اسحق.
6) زبدا ايضا : حضر المجمع الكنسي ببلاد الرافدين والذي عُقد في عام 424م في مدينة الحيرة العربية.
وكان هنالك عدد آخر من الأساقفة الذين تولوا العناية بالمسيحية في منطقة (بيث هوزايي) من بينهم (تيمي) الذي صار أسقفاً عام 541م و(يوحنا) عام 544م و(شمعون) عام 585م الذي حضر المجمع الكنسي الذي عقده الجاثليق الكبير ايشوعياب الأول الأرزني الذي انعقد في قطيسفون عام 585م وكذلك (يوسف) الذي حضر مجمع انتخاب الجاثليق (غريغور) عام 605م([5]).
وعندما توسعت البصرة التي تأسست عام 667م (17هـ) بقرب مدينة الفرات على شط العرب، استمرت خدمة الكنيسة والمسيحيين الذين اضطروا لدفع الجزية والسكن في مدينة فرات- ميشان التي أصبحت بلدة صغيرة تابعة لمدينة البصرة.
وفي القرن التاسع وصلنا (كتاب العفّة) للمطران ايشوعدناح (ت 860م) ومعنى اسمه بالسريانية (إشراقة يسوع) وضم معلومات عن تاريخ الإسقفيات والأديرة المسيحية من القرن الثالث حتى نهاية القرن الثامن الميلاديين.

الصفحات